ولو قيل بأن «يهود» منقول من الفعل المُضَارع نحو: يزيد ويشكر الكان قَوْلاً حسناً. ويؤيده قولهم: سمّوا يهوداً لاشتقاقهم من هَادَ يَهُودُ إذا تحرك.
قوله تعالى:«لَيْسَت النَّصَارَى»«ليس» فعل ناقص أبداً من أخوات «كان» ولا يتصرف، ووزنه على «فَعِل» بكسر الين، كان من حق فائه أن تكسر إذا أسند إلى تاء المتكلم ونحوها على الياء مثل: شئت، إلا أنه لما لم ينصرف بقيت «الفاء» على حالها.
وقال بعضهم:«ليست» بضم الفاء، ووزنه على هذه اللغة: فَعُل بضم العين، ومجيء فَعُل بضمّ العين فيما عينه ياء نادر، لم يجىء منه إلَاّ «هيؤ الرجل» ، إذا حسنت هيئته.
وكون «ليس» فعلاً هو الصحيح خلافاً للفارسي في أحد قوليه، ومن تابعه في جعلها حرفاً ك «ما» كما قيل ويدلّ على فعليتها اتصال ضمائر الرَّفْع البارزة بها، ولها أحكام كثيرة، و «النَّصَارى» اسمها، و «عَلَى شَيْءٍ» خبرها، وهذا يحتمل أن يكون مما حذفت فيه الصفة، أي على شيء معتدّ به كقوله سبحانه وتعالى:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}[هود: ٤٦] أي: أهلك الناجين، وقوله:[الطويل]
أي: لحم عظيم، وأن يكون نفياً على سبيل المُبَالغة، فإذا نفى إطلاق الشيء على ما هم عليه، مع أن الشيء يُطْلق على المعدوم عند بعضهم كان ذلك مبالغة في عدم الاعتداد به، وصار كقوله:«أقل من لا شيء» .
فصل في سبب نزول هذه الآية
روي أن وقد نجران لما قدموا على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أتاهم أحبار اليهودن فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم، فقالت اليهود: ما أنتم على شيء من الدين، وكفروا بعيسى عليه السلام والإنجيل.
وقالت النصارى لهم نحوه، كفروا بموسى عليه السَّلام والتوراة، فأنزل الله هذه الآية.