يصلي ومعه حجر ليدمَغَهُ به فلما رفعه انثنت يده إلى عنقه، ولزق الحجرُ بيده، فلما رَجَعَ إلى أصحابه وأخبرهم بما رأى سقط الحجر، فقال رجل من بين مخزوم أنا أقتله بهذا الحجر، فأتاه وهو يصلَّي لِيَرْمِيَهُ بالحَجَر فأعمى الله بصره فجعل يسمع صوته ولا يراه فرجع إلى أصحابه فلم يَرَهُمْ حتى نادوه فقالوا له: ماذا صنعت؟ فقال: ما رأيته، ولقد سمعت كلامه، وحال بيني وبينه كهيئة الفحْل يخطر بِذَنبِهِ لو دنوتُ منه لأَكَلَنِي، فأنزل الله تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَا في أَعْناقِهِمْ أَغْلَالاً} .
ووجه المناسبة لما تقدم أنه لما قال:{لَقَدْ حَقَّ القول على أَكْثَرِهِمْ} وتقدم أن المرادَ به البرهان قال بعده: بل عيانوا وأبصروا ما يقرب من الضّرورة حيث التزقت يده بعنقه ومُنع من إرسال الحَجَر، وهو مضطر إلى الإيمان ولم يؤمن على أنه لا يؤمن أصلاً.
وقال الفراء: معناه حبسْنَاهم عن الإنفاق في سبيل الله كقوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ}[الإسراء: ٢٩] معناه ولا تُمْسِكْها عن النفقة.
الرابع: قال ابن الخطيب وهو الأقوى وأنشد مناسبةً لما تقدم: إنّ ذلك كناية عن منع الله إياهم عن الاهتداء وأما مناسبة قول الفراء لما تقدم أن قوله تعالى: {فَهُمْ لَا يُؤمِنُون} يدخل فيه أنهم لا يصلون كقوله تعالى: {لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}[البقرة: ١٤٣] أي صلاتكم عند بعض المفسرين، والزكاة مناسبة للصلاة فكأنه قال: لا يُصَلّون ولا يُزَكون.
قوله:{فَهِىَ إِلَى الأذقان} في هذا الضمير وجهان:
أشهرهما: أنه عائد على الأَغْلَال، لأنها هي المُحَدَّث عنها، ومعنى هذا الترتيب بالفاء أن الغُلَّ لِغِلَظهِ وعَرْضِهِ يصل إلى الذقن، لأنه يلبس العُنُقَ جَميعَهُ.
قال الزمخشري: والمعنى إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً ثِقالاً غلاظاً بحيث تبلغ إلى الأذقان فلم يَتَمَكَّن المَغلُول معنا من أن يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ.
الثاني: أن الضمير يعود على «الأيدي» لأن الغُلَّ لا يكون إلَاّ في العنق، واليدين، ولذلك سمي جامعة، ودَلَّ على الأيدي وإن لم تُذْكر للملازمة المفهومة من هذه الآلة