شهاب الدين: وهذا رجل ثِقَةٌ قد نقل هذا لاقراءة فتقبل منه.
فإن قيل: ما الحِكْمَةُ في قوله {إِن يُرِدْنِ الرحمن بِضُرٍّ} ولم يقل: إنْ يُرِد الرَّحْمَنُ بِي ضُرًّا وكذلك قوله تعالى: {إِنْ أَرَادَنِيَ الله بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ}[الزمر: ٣٨] ولم يقل: إن أَرَادَ اللُّهُ بي ضُرًّا؟ .
فالجواب: أن الفعل إذا كان متعدياً إلى مفعول واحد تعدى إلى مفعولين بالحرف كالأمر تعدى بالحرف في قولهم: ذَهَبَ به وخَرَجَ به. ثم إن المتكلم البليغ يجعل المفعول بغير حرف أولى بوقوع الفعل عليه ويجعل الآخر مفعولاً بحرف فإذا قال القائل مثلاً: كيف حال فلان؟ يقول: اختصه الملكُ بالكرامة والنعمة. فإذا قال: كيف كرامة الملك؟ يقول: اختصها بزيد فيقول المسؤول مفعولاً بغير حرف؛ لأنه هو المقصود وإذا تقرر هذا فالمقصود فيما نحن فيه: بيان كون العبد تحت تصرف الله يقلبه كيف يشاء في البُؤْسِ والرَّخاء وليس الضر مقصود بيانه كيف والقائل مؤمن يرجو الرحمة والنعمة بناء على إيمانه بحكم وعد الله ويُؤَيِّد هذا قولُه مِنْ قَبْل: «الَّذِي فَطَرَنِي» حيث جعل نفسه مفعول الفطرة فلذلك جعلها مفعول الإرادة ووقع الضر تبعاً وكذلك القول في قوله: «إنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بضُرِّ» المقصود بيان أنه يكون كما يريده الله (وليس الضر) لخصوصيته مقصوداً بالذكر ويؤيده ما تقدم حيث قال الله تعالى:
{سَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ}[الزمر: ٣٦] يعني هو تحت إرادتِهِ.
فإن قيل: ما الحكمة في قوله هنا: «إن يُرِدْني الرحمن» بصيغة المضارع وقال في الزمر: {إِنْ أَرَادَنِيَ الله}[الزمر: ٣٨] بصيغ الماضي وذكر المريد هنا باسم الرحمن وذكر المريد هناك اسم الله؟ .
فالجواب أن الماضي والمستقبل مع لاشرط يصير الماضي والمستقبل مع الشرط يصير الماضي مستقبلاً لأن المذكور هنا من قبل بصيغة الاستقبال في قوله:{أَأَتَّخِذُ} وقوله: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ} والمذكرو هناك من قبل بصيغة الماضي قوله: {أَفَرَأَيْتُم}[الزمر: ٣٨] .