إذا قيلَ: إنَّ «قَوْلاً» منصوب على المصدر فتقديره على قولنا إن المراد لهم سلام هو أن يقال لهم سَلَام يَقُولُهُ اللَّهُ قَوْلاً. أو تقول الملائكة قَوْلاً، وعلى قولنا ما يدعون سلام لهم فتقديره قال الله ذلك قولاً ووعدهم أن لهم ما يدعون سلامٌ وعداً، وعلى قولنا: سلام عليهم فتقديره أقُولُهُ قَوْلاً، وقوله {مِنْ رَبِّ رَحِيم} يكون لبيان (أن) السلام منه أي سلام عليهم من رب رحيم أقوله قولاً، ويحتمل أن يقال على هذا بأنه تمييز؛ لأن السلام قد يكون قولاً وقد يكون فِعلاً فإن من يدخل على الملك يطأطئُ رأسه يقال: سلمت على الملك فهو حينئذ كقول القائل: موجودة حُكْماً لا حِسًّا.
فصل
روى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: «بَيْنَا أَهْلُ الجَنَّةِ في نَعِيمِهمْ إذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ فَرَفَعُوا رُؤوسَهُمْ فَإذَا الرَّبُّ - عَزَّ وَجَلَّ - قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوقهِمْ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الجَنَّةِ؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {سَلَامٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} فَيَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَيَنْظُرُونَ إلَيْهِ فَلَا يَلْتَفِتُونَ إلى شَيْءٍ من النَّعِيم مَا دَامُوا يَنْظُرُون إليْهِ حَتَّى يَحْتَجب عَنْهُمْ فَيَبْقَى نُورُهُ وبَرَكَتَهُ عَلَيْهِمْ في دِيارهمْ» وقيل: تسلم عليهم الملائكة من ربهم كقوله: {وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُم}[الرعد: ٢٣ - ٢٤] أي يقولون سلام عليكم يا أهل الجنة من ربكم الرحيم، وقيل: يعطيهم السلامة.
قوله:{وامتازوا} عى إضار قول مقابل لما قيل للمؤمنين أي ويقال للمجرمين امتازوا أي انعزلوا من مَازَهُ يَمِيزُهُ.
قال المفسرون: إن المجرم يرى منزلة المؤمن ورفعته (ويرى ذَلَة نفسه)