في معنى هذا العهد وجوه: أقواها ألم أوصِ إليكم، واختلفوا في هذا العهد فقيل: هو العهد الذي كان مع آدم في قوله: {وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إلىءَادَمَ}[طه: ١١٥] وقيل: هو الذي كان مع ذرية آدم حين أخرجهم وقال: ألَسْتُ بربِّكُمْ قَالُوا بَلَى، وقيل: مع كل قوم على لسان رسولهم. وهو الأظهر، وقوله {لَاّ تَعْبُدُواْ الشيطان} أي لا تطيعوا الشيطان والطاعة قد تطلق على العبادة ثم قال: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} أي ظاهر العداوة ووجه عادوته أنه لما أكرم الله آدم - عليه (الصلاة و) السلام - عاداه إبليس.
فإن قيل: إذا كان الشيطان عدواً للإنسان فما بال الإنسان يقبل على ما يرضيه من الزِّنا والشّرب ويكره ما يسخطُه من المجاهدة والعبادة؟
فالجواب: استعانة الشيطان بأعوان من عند الإنسان وترك استعانة الإنسان بالله فيستعين بشهوته التي خلقها الله فيه لمصلاح بقائه وبقاء نوعه ويعلها سبباً لفساد حاله ويدعوه بها إلى مالك المهالك وكذلك يستعين بغضبه الذي خلقه الله فيه لدفع المفاسد عنه ويجعلها سبباً لوباله وفساد أحواله وميل الإنسان إلى المعاصي كميْل المريض إلى (المصادر) ، وذلك حيث ينحرف المِزاج عن الاعتدال فترى المحموم يريد الماء البارد وهو يزيد من مرضه ومن معدته فاسدة لا يهضم القليل من الغذاء يميل إلى الأكل الكثير ولا يشبع بشيء وهو يزيد فساد معدته وصحيح المزاج لا يشتهي إلا ما ينفعه.
قوله:{وَأَنِ اعبدوني} أطيعوني ووحِّدوني {هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} ما منع من عبادة الشيطان بقوله {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً} أي خَلْقاً كثيراً.
قوله:«جبلاًّ» قرأ نافع وعاصم بكسر الجيم والباء وتشديد اللام، وأبو عمرو وابن عامر بضمة وسكون والباقون بضمتين واللام مخففة في كِلْتَيْهِمَا وابنُ أبي