للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها وتغطى خالنا بثوبه وجعل يبكي، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها فأتيا الكاهن فخبر أنيسا بما هو عليه، قال فأتانا بصرمتنا ومثلها معها وقد صليت بابن أخي قبل أن ألقى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثلاث سنين، فقلت: لمن؟ قال: لله. فقلت: أين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني الله، أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر السحر ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس. فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة فاكفني حتى آتيك: فانطلق أنيس فراث علي، يعني أبطأ، ثم جاء فقلت: ما حبسك؟ قال: لقيت رجلا بمكة على دينك يزعم أن الله أرسله. قال: فما يقول الناس له؟ قال: يقولون شاعر كاهن ساحر. وكان أنيس أحد الشعراء، فقال أنيس: والله لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلا يلتئم على لسان أحد بعيد أنه شعر، والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون! فقلت اكفني حتى أذهب فأنظر، قال: نعم، وكن من أهل مكة على حذر فإنهم قد شنعوا له وتجهموا له. فانطلقت فقدمت مكة فاستضعفت رجلا منهم فقلت: أين هذا الذي تدعون الصابئ؟ قال: فأشار إلي فقال: هذا الصابئ. فمال على أهل الوادي بكل مدرة وعظم فخررت مغشيا علي فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر، فأتيت زمزم فشربت من مائها وغسلت عني الدماء فلبثت بها يا بن أخي ثلاثين من بين ليلة ويوم ما لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما وجدت على كبدي سخفة جوع. قال فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب الله على أصمختهم فما يطوف بالبيت أحد منهم غير امرأتين، فأتتا علي وهما تدعوان إسافا ونائلة. قال فقلت أنكحا أحدهما الآخر، فما ثناهما ذاك عن قولها، قال فاتتا علي فقلت: هنا مثل الخشبة غير أني لم أكن، فانطلقتا تولولان وتقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا. قال فاستقبلهما

<<  <  ج: ص:  >  >>