سنة تسع وستين أرسل عبد الله بن الزبير عروة بن الزبير إلى محمد بن الحنفية: إن أمير المؤمنين يقول لك إني غير تاركك أبدا حتى تبايعني أو أعيدك في الحبس وقد قتل الله الكذاب الذي كنت تدعي نصرته، وأجمع علي أهل العراقين، فبايع لي وإلا فهي الحرب بيني وبينك إن امتنعت. فقال بن الحنفية لعروة: ما أسرع أخاك إلى قطع الرحم والاستخفاف بالحق، وأغفله عن تعجيل عقوبة الله، ما يشك أخوك في الخلود وإلا فقد كان أحمد للمختار ولهديه مني، والله ما بعثت المختار داعيا ولا ناصرا، وللمختار كان إليه أشد انقطاعا منه إلينا، فإن كان كذابا فطال ما قربه على كذبه، وإن كان على غير ذلك فهو أعلم به، وما عندي خلاف، ولو كان خلاف ما أقمت في جواره ولخرجت إلى من يدعوني فأبيت ذلك عليه، ولكن هاهنا والله لأخيك قرينا يطلب مثل ما يطلب أخوك، كلاهما يقاتلان على الدنيا: عبد الملك بن مروان. والله لكأنك بجيوشه قد أحاطت برقبة أخيك وإني لأحسب أن جوار عبد الملك خير لي من جوار أخيك، ولقد كتب إلي يعرض علي ما قبله ويدعوني إليه. قال عروة: فما يمنعك من ذلك؟ قال أستخير: الله وذلك أحب إلى صاحبك. قال: أذكر ذلك له. فقال بعض أصحاب محمد بن الحنفية: والله لو أطعتنا لضربنا عنقه. فقال بن الحنفية: وعلى م أضرب عنقه؟ جاءنا برسالة من أخيه وجاورنا فجرى بيننا وبينه كلام فرددناه إلى أخيه. والذي قلتم غدر وليس في الغدر خير، لو فعلت الذي تقولون لكان القتال بمكة وأنتم تعلمون أن رأيي لو اجتمع الناس علي كلهم إلا إنسان واحد لما قاتلته. فانصرف عروة فأخبر بن الزبير بما قال له محمد بن الحنفية، قال والله ما أرى أن تعرض له، دعه فليخرج عنك ويغيب وجهه فعبد الملك أمامه لا يتركه يحل بالشام حتى يبايعه، وابن الحنفية لا يبايعه أبدا حتى يجتمع الناس عليه، فإن صار إليه كفاكه إما حبسه وإما قتله فتكون أنت قد برئت من ذلك. فأفثأ بن الزبير عنه.