ابن خالد: أرتاد لي رجلا عارفا بالمدينة والمشاهد، وكيف كان نزول جبريل، عليه السلام، على النبي، صلى الله عليه وسلم، ومن أي وجه كان يأتيه، وقبور الشهداء. فسأل يحيى بن خالد، فكل دله علي، فبعث إلي فأتيته وذلك بعد العصر فقال لي: يا شيخ إن أمير المؤمنين أعزه الله يريد أن تصلي عشاء الآخرة في المسجد وتمضي معنا إلى هذه المشاهد فتوقفنا عليها والموضع الذي يأتي جبريل، عليه السلام، وكن بالقرب. فلما صليت عشاء الآخرة إذ أنا بالشموع قد خرجت وإذا أنا برجلين على حمارين، فقال يحيى: أين الرجل؟ فقلت: هاءنذا. فأتيت به إلى دور المسجد فقلت: هذا الموضع الذي كان جبريل يأتيه. فنزلا عن حماريهما فصليا ركعتين ودعوا الله ساعة ثم ركبا وأنا بين أيديهما، فلم أدع موضعا من المواضع ولا مشهدا من المشاهد إلا مررت بهما عليه، فجعلا يصليان ويجتهدان في الدعاء، فلم نزل كذلك حتى وافينا المسجد وقد طلع الفجر وأذن المؤذن. فلما صارا إلى القصر قال لي يحيى بن خالد: أيها الشيخ لا تبرح. فصليت الغداة في المسجد، وهو على الرحلة إلى مكة، فأذن لي يحيى بن خالد عليه بعد أن أصبحت، فأدنى مجلسي وقال لي: إن أمير المؤمنين أعزه الله لم يزل باكيا، وقد أعجبه ما دللته عليه، وقد أمر لك بعشرة آلاف درهم. فإذا بدرة مبدرة قد دفعت إلي، وقال لي: يا شيخ خذها مبارك لك فيها، ونحن على الرحلة اليوم، ولا عليك أن تلقانا حيث كنا واستقرت بنا الدار إن شاء الله. ورحل أمير المؤمنين وأتيت منزلي ومعي ذلك المال، فقضينا منه دينا كان علينا، وزوجت بعض الولد، واتسعنا. ثم إن الدهر أعضنا فقالت لي أم عبد الله: يا أبا عبد الله ما قعودك وهذا وزير أمير المؤمنين قد عرفك وسألك أن تصير إليه حيث استقرت به الدار؟ فرحلت من المدينة وأنا أظن القوم بالعراق، فأتيت العراق فسألت عن خبر أمير المؤمنين فقالوا لي: هو بالرقة. فأردت الانصراف إلى المدينة فنظرت فإذا أنا بالمدينة مختل