الحال، فحملت نفسي على أن أصير إلى الرقة، فصرت إلى موضع الكرى فإذا أنا بعدة فتيان من الجند يريدون الرقة، فلما رأوني قالوا: أيها الشيخ أين تريد؟ فخبرتهم بخبري وأني أريد الرقة. فنظرنا في كرى الجمالين فإذا هي تضعف علينا. فقالوا: أيها الشيخ هل لك أن تصير إلى السفن فهو أرفق بنا وأيسر علينا من كرى الجمال؟ فقلت لهم: ما أعرف من هذا شيئا والأمر إليكم. فصرنا إلى السفن فاكترينا، فما رأيت أحدا كان أبر بي منهم ولا أشفق ولا أحوط، يتكلفون من خدكتي وطعامي ما يتكلفه الولد من والده، حتى صرنا إلى موضع الجواز بالرقة، وكان الجواز صعبا جدا، فكتبوا إلى قائدهم بعدادهم وأدخلوني في عدادهم، فمكثنا أياما ثم جاءنا الإذن بأسمائنا فجزت مع القوم فصرت إلى موضع لهم في خان نزول، فأقمت معهم أياما وطلبت الإذن على يحيى بن خالد فصعب علي، فأتيت أبا البختري وهو بي عارف، فلقيته فقال لي: يا أبا عبد الله أخطأت على نفسك وغررت ولكن لست أدع أن أذكرك له. وكنت أغدو إلى بابه وأروح فقلت نفقتي واستحييت من رفقائي وتخرقت ثيابي وأيست من ناحية أبي البختري فلم أخبر رفقائي بشيء، وعدت منصرفا إلى المدينة. فمرة أنا في سفينة، ومرة أمشي حتى وردت السيلحين. فبينا أنا مستريح في سوقها إذا أنا بقافلة من بغداد، فسألت من هم فأخبروني أنهم من أهل مدينة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأن صاحبهم بكار الزبيري أخرجه أمير المؤمنين ليوليه قضاء المدينة والزبيري أصدق الناس لي. فقلت أدعه حتى ينزل ويستقر ثم آتيه. فأتيته بعد أن استراح وفرغ من غدائه، فاستأذنت عليه فأذن لي، فدخلت فسلمت عليه فقال لي: يا أبا عبد الله ماذا صنعت في غيبتك؟ فأخبرته بخبري وبخبر أبي البختري، فقال لي: أما علمت أن أبا البختري لا يحب أن يذكرك لأحد ولا ينبه باسمك، فما الرأي؟ فقلت: الرأي أن أصير إلى المدينة. فقال: هذا رأي خطأ. خرجت من المدينة على