ريح لم يروا مثلها شدة، ثم ذهبت فجاءت ريح أخرى، ثم ذهبت فجاءت ريح أخرى، فكانت الأولى جبريل، عليه السلام، في ألف من الملائكة مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والثانية ميكائيل، عليه السلام، في ألف من الملائكة عن ميمنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والثالثة إسرافيل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان سيماء الملائكة عمائم قد أرخوها بين أكتافهم خضر وصفر وحمر من نور، والصوف في نواصي خيلهم. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لأصحابه: إن الملائكة قد سومت فسوموا، فأعلموا بالصوف في مغافرهم وقلانسهم، وكانت الملائكة يوم بدر على خيل بلق، قال: فلما اطمأن القوم بعث المشركون عمير بن وهب الجمحي، وكان صاحب قداح، فقالوا: احزر لنا محمدا وأصحابه، فصوب في الوادي وصعد ثم رجع فقال: لا مدد لهم ولا كمين، القوم ثلاثمائة إن زادوا زادوا قليلا، ومعهم سبعون بعيرا وفرسان، يا معشر قريش، البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليست لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، أما ترونهم خرسا لا يتكلمون، يتلمظون تلمظ الأفاعي؟ والله ما أرى أن تقتل منهم رجلا حتى يقتل منا رجل، فإذا أصابوا منكم عددهم فما خير في العيش بعد ذلك، فروا رأيكم. فتكلم حكيم بن حزام ومشى في الناس، وأتى شيبة وعتبة وكانا ذوي تقية في قومهما فأشاروا على الناس بالانصراف، وقال عتبة: لا تردوا نصيحتي ولا تسفهوا رأيي، فحسده أبو جهل حين سمع كلامه، فأفسد الرأي وحرش بين الناس، وأمر عامر بن الحضرمي أن ينشد أخاه عمرا، وكان قتل بنخلة، فكشف عامر وحثا على استه التراب وصاح: واعمراه! يخزي بذلك عتبة لأنه حليفه من بين قريش. وجاء عمير بن وهب فناوش المسلمين فثبت المسلمون على صفهم ولم يزولوا، وشد عليهم عامر بن الحضرمي ونشبت الحرب، فكان أول من خرج من المسلمين مهجع مولى عمر بن الخطاب، فقتله عامر بن الحضرمي.