فاجعلوا بيننا وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه، قالوا: كاهنة بني سعد هذيم، وكانت بمعان من أشراف الشأم، فخرجوا إليها وخرج مع عبد المطلب عشرون رجلاً من بني عبد مناف، وخرجت قريش بعشرين رجلاً من قبائلها، فلما كانوا بالفقير من طريق الشأم أو حذوة فني ماء القوم جميعاً فعطشوا فقالوا لعبد المطلب: ما ترى؟ فقال: هو الموت، فليحفر كل رجل منكم حفرة لنفسه فكلما مات رجل دفنه أصحابه حتى يكون آخرهم رجلاً واحداً فيموت ضيعةً أيسر من أن تموتوا جميعاً، فحفروا ثم قعدوا ينتظرون الموت، فقال عبد المطلب: والله ان القاءنا بأيدينا هكذا لعجز، ألا نضرب في الأرض فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض هذه البلاد! فأرتحلوا، وقام عبد المطلب إلى راحلته فركبها، فلما انبعثت به انفجر تحت خفها عين ماءٍ عذب فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه وشربوا جميعاً، ثم دعا القبائل من قريش فقال: هلموا إلى الماء الرواء فقد سقانا الله، فشربوا واستقوا وقالوا: قد قضي لك علينا: الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة هو الذي سقاك زمزم، فو الله لا نخاصمك فيها أبدا! فرجع ورجعوا معه ولم يصلوا إلى الكاهنة وخلوا بينه وبين زمزم.
قال: أخبرنا خالد بن خداش، أخبرنا معتمر بن سليمان التيمي قال: سمعت أبي يحدث عن أبي مجلز: أن عبد المطلب أتي في المنام فقيل له: احتفر، فقال: أين؟ فقيل له: مكان كذا وكذا، فلم يحتفر، فأتي فقيل له: احتفر عند الفرث عند النمل عند مجلس خزاعة ونحوه، فأحتفر، فوجد غزالاً وسلاحاً وأظفاراً، فقال: قومه لما رأوا الغنيمة: كأنهم يريدون أن يغازوه، قال: فعند ذلك نذر لئن ولد له عشرة لينحرن أحدهم، فلما ولد له عشرة وأراد ذبح عبد الله منعته بنو زهرة وقالوا: أقرع بينه وبين كذا وكذا من الإبل، وإنه أقرع فوقعت عليه سبع مرات وعلى الإبل مرة، قال: لا أدري السبع عن أبي مجلز أم لا؟ ثم صار من أمره أن ترك ابنه