للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المنبرِ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فأَتَيْتُ الْغُلَامَ، فَقُلْتُ: اسْتَأذِنْ لِعُمَرَ، فدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ، فقال: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ. قالَ: فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا، فَإِذَا الغُلَامُ يَدْعُونِي، فقالَ: ادْخُلْ، فَقَدْ أَذِنَ لَكَ، فَدَخَلْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى رَمْلِ حَصِيرٍ (١)، وقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقُلْتُ: أَطَلَّقْتَ يَا رَسُولَ اللهِ نِسَاءَكَ؟ قالَ: فَرَفَعَ رَأسَهُ إِلَيَّ، فقالَ (٢) : «لا»، فَقُلْتُ: اللهُ أَكْبَرُ، لَوْ رَأَيْتَنَا يَا رَسُولَ اللهِ وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا يَغْلِبُهُمْ (٣) نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ، فَتَغَضَّبْتُ عَلَى امْرَأَتِي يَوْمًا فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي، فقالتْ: مَا تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَاللهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ لَيُرَاجِعْنَهُ، وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ اليَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ. فَقُلْتُ: قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكِ مِنْهُنَّ وَخَسِرَ، أَفَتَأمَنُ إِحْدَاهُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِ اللهِ (٤) صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ؟ فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ: لا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْسَمُ، وَأَحَبُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ مِنْكِ. فَتَبَسَّمَ أخرى. فَقُلْتُ: أَتسْتَأنِسُ (٥) يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: «نَعَمْ». فَجَلَسْتُ فَرَفَعْتُ فِي البَيْتِ، فَوَاللهِ مَا رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ البَصَرَ، إِلا أَهَبةً ثَلَاثًا (٦)، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ عزَّ وجلَّ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ، فَقَدْ وَسَّعَ اللهُ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ، وَهُمْ لا يَعْبُدُونَ اللهَ، فَاسْتَوَى جَالِسًا، ثُمَّ قالَ: «أَوفِيَّ شَكٌّ (٧) يَا ابنَ الخَطَّابِ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا». فَقُلْتُ: اسْتَغْفِرْ


(١) في هامش (ح) : «الرمل: الوطاء، يقال بالمهملة، قال بعضهم رملت الحصير رجلًا وأرملته نسجته قال القاضي عياض يفسر هذا قوله في الحديث الآخر: وإذا لحصير قد أثرت في جنبه، أي أثر نسجها في ثوبه ومتكئ هنا بمعنى مضطجع في الحديث الآخر».
(٢) في (ح) و (د) : «وَقال».
(٣) في (ح) و (د) : «تَغْلِبُهُمْ».
(٤) في (د) : «رَسُولِهِ».
(٥) في (ح) و (د) : «أَسْتَأنِسُ»، وجاء في هامش (ح) : «حاشية: قال إسماعيل: معنى يستأنس هنا في الإذن، واحتج بذلك على قوله: {حتى تستأنسوا} قال غيره: وفي فعل عمر من ملاطفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم وتسليته بعد استئذانه في الاستئناس وإضحاكه إياه ما يقتدى به من فعله، وأنه لا بأس بمثل هذا من التلطف والكلام الحسن، قوله: استأنس من هذا المعنى تبسط في الكلام، لا يأتي بما لا يوافق النبي عليه السلام من حديثه فيزيده همًا وحزنًا، فلم يرد أن يحدث بغير ما هم فيه حتى يستأذن، وفيه من الأدب الحسن اللازم بين يدي الأكابر والعلماء».
(٦) جاء في هامش (ح) : «قوله: (أهبة ثلاثًا) : جمع أهبة، والإهاب جلد لم يدبغ من الجلود، جمعه أهب وأهب».
(٧) في الأصل كلمة قبل: «أوفي» كأنها: «أمر»، وزاد في (ح) و (د) : «أَنْتَ» بعد قوله: «شك».

<<  <   >  >>