للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأسا، كما روي أن الناس كانوا يصلون في رمضان وُحدانًا، وكان الرجل يصلي فيصلي بصلاته الجماعة، فجمعهم عمر على أُبَيّ بن كعب، فلما خرج فرآهم قال: نعمت البدعة هذه (١)!

وكذلك قال الحسن: "القصص بدعة ونعمت البدعة! كم من أخ يستفاد ودعوة مستجابة" (٢).

قال المصنف: قلت: إنما جمعهم عمر على أبي؛ لأن صلاة الجماعة مشروعة، وإنما قال الحسن في القصص: نعمت البدعة؛ لأن الوعظ مشروع، ومتى أسند المحدث إلى أصل مشروع لم يذم (٣). فأما إذا كانت البدعة كالمتمم فقد اعتقد نقص الشريعة، وإن كانت مضادة فهي أعظم!

فقد بان بما ذكرنا أن أهل السنة هم المتبعون، وأن أهل البدعة هم المظهرون شيئًا لم يكن قبلُ، لا مستند له، ولهذا استتروا ببدعتهم ولم يكتم أهل السنة مذهبهم، فكلمتهم ظاهرة، ومذهبهم مشهور والعاقبة لهم:


(١) أخرجه البخاري دون بقية الكتب الستة (٤/ ٢٥٠ رقم ٢٠١٠)، ومالك في الموطأ (١/ ١١٤ رقم ٣) بنحوه مطولا.
(٢) أخرجه ابن الجوزي في كتاب القصّاص والمذكرين (ص ١٧٢ رقم ١١)، وذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم (٢/ ١٢٩ تحقيق شعيب الأرنؤوط).
(٣) قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (فالنبي قد كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى، وقد قال لهم في الليلة الثالثة أو الرابعة لما اجتمعوا: "إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن تفرض عليكم … " فعلّل عدم الخروج بخشية الافتراض، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم. فلما كان في عهد عمر جمعهم على قارئ واحدٍ، وأسرج المسجد، فصارت هذه الهيئة -وهي اجتماعهم في المسجد وعلى إمام واحد مع الإسراج- عملًا لم يكونوا يعملونه من قبل؛ فسمي بدعة، لأنه في اللغة يسمى بذلك، ولم يكن بدعة شرعية؛ لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح لولا خوف الافتراض. وخوف الافتراض زال بموته فانتفى المعارض). اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٥٩٤ - ٥٩٥).

<<  <   >  >>