للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في كلامهِم في العلم

قال المصنِّفُ : اعلم أنَّ هؤلاءِ القوم لمَّا تَركُوا العِلمَ وانفرَدُوا بالرِّياضَاتَ على مُقتَضَى آرائِهِم لَم يَصبِرُوا عن الكلامِ في العلومِ، فتكلَّمُوا بواقِعاتِهم، فَوقَعتِ الأغالِيطُ القبيحةُ منهم، فتارةً يتكلَّمُونَ في تفسيرِ القرآنِ، وتارةً في الحديثِ، وتارةً في الفقهِ وغير ذلك، ويسوقون العلومَ إلى مُقتضَى عِلمِهم الذي انفرَدُوا بهِ، واللهُ سبحانهُ لا يُخِلي الزَّمانَ مِن أقوامٍ قُوَّامٍ بشرعِهِ، يردُّونَ على المتخَرِّصينَ ويُبَيِّنون غَلطَ الغالِطِينَ.

ذكرُ نبذٍ من كلامِهِم في القُرآن (١):

• أخبَرنا أبو منصورٍ عبدُ الرَّحمن بنُ محمدٍ القزَّاز، قال: أنا أبو بكرٍ أحمدُ بنُ عليِّ بن ثابتٍ، قال: أنا أبو القاسمِ عبدُ الواحِد بن محمد بنِ عثمانَ البَجلي، قال: سمعتُ جعفرَ بنَ محمد الخُلدِي، قال: حضرتُ شيخَنا جُنَيدًا وقد سَألهُ ابن كيسانَ عن قولهِ ﷿: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى﴾ [الأعلى: ٦] فقال جُنَيدٌ: لا تنسَ العَمَل به (٢). قال: وسألهُ عن قولِه تعالى: ﴿وَدَرَسُوا مَا فِيهِ﴾ [الأعراف: ١٦٩] فقال له جُنَيدٌ: تركُوا العملَ به، فقال: لا يَفضُضِ اللهُ فاكَ!

قال المصنِّفُ: أمَّا قولُه: لا تَنسَ العملَ به: فتفسيرٌ لا وَجهَ لهُ، والغلطُ فيه ظاهرٌ؛ لأنهُ فسَّرهُ على أنَّه نَهْيٌ، وليسَ كذلكَ إنما هُو خَبَرٌ لا نَهيٌ، وتقديرُهُ: فمَا تَنسَى، إذ لَو كانَ نَهيًا كانَ مجزُومًا، فتفسِيرُه على خِلافِ إجماعِ العُلَماءِ (٣).


(١) لبيان كلام الصوفية ومؤلفاتهم في التفسير انظر: التفسير والمفسرون ٢/ ٣٣٩ - ٤١٦ واتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر ١/ ٣٦٦ - ٤١٢ وابن جُزَيّ ومنهجه في التفسير ٢/ ٥٩٧ - ٦٠٥.
(٢) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد ٧/ ٢٤٥ ومن طريق أخرى السلمي في تفسيره المسمى حقائق التفسير ٢/ ٢٨٩ في الآية الأولى ونقله في الآية الثانية عن سهل بن عبد الله ١/ ٢٤٧.
(٣) انظر في إيضاح ذلك: تفسير الإمام الطبري ٣٠/ ١٥٤ وتفسير المؤلف ٨/ ٢٢٩.

<<  <   >  >>