للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنف : قلت: هذا غلطٌ من خمسة أوجه:

أحدها: أنَّا قد ذكرنا عن أبي حامد الغزالي أنه يُبَاحُ سماعُه لكل أحدٍ، وأبو حامد كان أعرف من هذا القائل.

والثاني: أن طِباعَ النفوس لا تتغيَّرُ، وإنما المجاهدةُ تكفُّ عملَها، فمن ادَّعى تغيُّرَ الطباعِ ادَّعى المحال، فإذا جاء ما يحرِّكُ الطِّباعَ وانْدَفَعَ الذي كان يكفُّها عنه عادتِ العادةُ.

والثالث: أن العلماءَ اختلفوا في تحريمِه وإباحتِه وليس فيهم مَنْ نظرَ في السامعِ؛ لعلمِهِمْ أن الطِّبَاعَ تتساوى فمن ادَّعى خروجَ طبعِه عن طباعِ الآدميِّينَ ادَّعى المحالَ.

والرابع: أن الإجماعَ انعقدَ على أنَّهُ ليس بمستحبٍّ وإنما غايتُهُ الإباحة فادِّعاءُ الاستحبابِ خرق للإجماع (١).

والخامس: أنه يلزمُ من هذا أن يكون سماعُ العود مباحًا أو مستحبًّا عند من قد تغيَّر طَبْعه؛ لأنه إنما حُرِّمَ لأنه يؤثِّر في الطِّباع ويدعوها إلى الهوى فإذا أُمِنَ ذلك فينبغي أن يباح وقد ذكرنا هذا عن أبي الطيب الطبري (٢).

[فصل]

قال المصنف : وقد ادَّعى قومٌ منهُم أن هذا السماعَ قُرْبَةٌ إلى الله ﷿:

• قال أبو طالب المكيُّ: حدثني بعض أشياخنا عن الجُنيدِ أنه قال: تنزلُ الرحمةُ على هذه الطائفة في ثلاثة مواطن: عند الأكل؛ لأنهم لا يأكُلونَ إلا عن فاقة، وعند المُذاكرة؛ لأنهم يتحاورونَ في مقامات الصدِّيقين وأحوال النبيِّينَ وعندَ السماع؛ لأنهم


(١) تقدم في الدراسة تقرير هذه المسألة وبيان أن القول الحق على تحريمه وهو قول جمهور العلماء.
(٢) انظر: ما تقدم ص ٥٧٠ وكلام الإمام أبي الطيب الطبري في كتابه السماع ص ٥١ - ٥٢.

<<  <   >  >>