للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتورعون من عطاء ماكسٍ، وأكثر أربطتهم قد بناها الظلمة، ووقفوا عليها الأموال الخبيثة، وقد لبَّس عليهم إبليس بأن ما يصل إليكم رزقكم، فأسقطوا عن أنفسكم كُلْفَةَ الورع!

فمهمتهم دوران المطابخ والحمّام والماء المبرد، فأين جوعُ بِشْرٍ، وأين ورع سري، وأين جد الجُنيد؟!

وهؤلاء أكثر زمانهم ينقضي في التفكه بالحديث أو زيارة أبناء الدنيا، فإذا أفلح أحدهم أدخل رأسه في زرمانقته فغلبت عليه السَّوداء (١) فقال: حدثني قلبي. ولقد بلغني أن رجلًا قرأ القرآن في رباط فمنعوه، وأن قومًا قرؤوا الحديث في رباط فقيل لهم: ليس هذا موضعه!

[ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في الخروج من الأموال والتجرد عنها]

كان إبليس يلبس على أوائل الصوفية لصدقهم في الزهد؛ فيريهم عيب المال ويُخوفهم من شرّه، فيتجردون من الأموال ويجلسون على بساط الفقر، فكانت مقاصدهم صالحة، وأفعالهم في ذلك خطأ لقلة العلم، فأما الآن فقد كُفِيَ إبليس هذه المؤنة فإن أكف كسبهم للأموال ضياع.

أخبرنا محمد بن ناصر قال: أنبأنا أبو بكر بن خلف، قال: نا محمد بن الحسين السُّلمي، قال: سمعت أبا نصر الطوسي يقول: سمعت جماعة من مشايخ الرَّي يقولون: ورث أبو عبد الله المقري من أبيه خمسين ألف دينار سوى الضِّياع والعَقَار، فخرج عن جميع ذلك وأنفقه على الفقراء (٢).


(١) السّوداء: أحد الأخلاط الأربعة التي زعم الأقدمون أن الجسم مهيأ عليها، بها قوامه، ومنها صلاحه وفساده، وهي: الصفراء، والدّم، والبلغم، والسوداء. المعجم الوسيط (ص ٤٦١).
(٢) لم أقف عليه في كتاب اللمع للطوسي، ولا في غيره.

<<  <   >  >>