للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذي به وصل إلى تصديق الرسل، إلا أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد، بُعثت الرسلُ، وأُنزلت الكتبُ، فمثال الشرع: الشمس، ومثال العقل: العين، فإذا فتحت وكانت سليمة رأت الشمس.

ولما ثبت عند العقل أقوال الأنبياء الصادقة بدلائل المعجزات الخارقة (١)، سلم إليهم، واعتمد فيما خفي عليهم.

ولما أنعم الله سبحانه على هذا العالم الإنسي بالعقل، افتتحه الله بنبوة آدم صلوات الله وسلامه عليه، فكان يعلمهم عن وحي الله ﷿، فكانوا على الصواب إلى أن انفرد قابيل (٢) بهواه فقتل أخاه، ثم تشعبت الأهواء بالناس فشردتهم في بيداء الضلال حتى عبدوا الأصنام، واختلفوا في العقائد والأفعال اختلافا خالفوا فيه الرسل والعقول؛ اتباعًا لأهوائهم وميلًا إلى عاداتهم، وتقليدًا لكبرائهم، فصدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه، إلا فريقًا من المؤمنين.

[فصل]

واعلم أن الأنبياء جاؤوا بالبيان الكافي، وقابلوا الأمراض بالدواء الشافي، وتوافقوا على منهاج لم يختلف، فأقبل الشيطان إبليس يخلط بالبيان شبهًا، وبالدواء


(١) صدق الأنبياء لا يتوقف على المعجزة وحدها، بل إن إثبات صدق الأنبياء في دعوى النبوة بالمعجزة وحدها هو مسلك أهل الكلام. والذي عليه أهل السنة أن المعجزة دليل صحيح على النبوة، كما أن مما يثبت به صدق النبي في دعواه: نوع ما يأتي به من الخبر والأمر مما تحار فيه العقول ولا تحيله، وصفاته وأحواله التي اشتهر بها قبل ادعاء النبوة، كالصدق والأمانة، ومنها عاقبة النبي وأتباعه ومكذبيه، من نصر النبي وأتباعه، وإهلاك المكذبين. انظر ما ذكره شيخ الإسلام في شرح العقيدة الأصفهانية (٤٧١ - ٥٠٢)، والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (٥/ ٣١٩) وما بعدها، والنبوات.
(٢) هذه التسمية المقصود بها ابن آدم الأول، وإنما هي من نقل العلماء عن أهل الكتاب، لم يرد بها نص في القرآن، ولا جاءت في سنة ثابتة فيما نعلم، فلا علينا ألا نجزم بها ولا نرجحها، وإنما هي قول قيل. قاله الشيخ أحمد محمد شاكر . انظر: عمدة التفسير (٤/ ١٢٣) بتصرف يسير.

<<  <   >  >>