للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتَداخَلَني من ذلك شيءٌ وكنتُ أقولُ: قد اسْتَبْدَلَ مجلس الختمات بمجلس القَول، فقال لي يومًا: أيَّ شيءٍ تقولُ الناس؟ فقلتُ: يقولون: رَفَعَ مجلسَ القرآنِ ووضع مجلس القَول. فقال: من قال لأستاذِهِ "لِمَ" لا يُفلح (١).

قال المصنف : قلت: هذه عادةُ الصوفية يقولون: الشيخ يَسْلَمُ لهُ حالُه وما لنا أحدٌ يَسْلَمُ إليه حالُه فإنَّ الآدميَّ يُردُّ عن مُراداتِه بالشَّرعِ والعقلِ والبهائمَ بالسَّوْطِ.

[فصل]

وقد اعتقدَ قومٌ من الصوفيَّة أن هذا الغناءَ الذي قد ذكرنا عن قومٍ تحريمه وعن آخَرينَ كراهتَه مستَحَبٌّ في حقِّ قومٍ.

وأنبأنا عبد المنعم بن عبد الكريم بن هواز القُشيري، قال: أخبرنا أبي قال: سمعت أبا علي الدَّقَّاق يقول: السَّماعُ حرامٌ على العوامِّ؛ لبقاء نفوسهم مباحٌ للزُّهاد؛ لحصول مجاهداتِهم، مستحَبٌّ لأصحابِنا؛ لحياةِ قلوبهم (٢).


(١) أخرج هذا الخبر القشيري في الرسالة ص ٣٣٤ أو ٢/ ٦٣٤ وذكره الذهبي في السير ١٧/ ٢٥٠١، ومختصرًا ١٦/ ٢٣٧ والسبكي في طبقات الشافعية ٤/ ١٤٦.
وقد اتخذ هذه الكلمة المنافية لما جاء به الإسلام من لا يَتَرسَّم خطا الشرع من الشيوخ ذريعة لارتكاب ما لا يحل وفعل ما هو محرم. قال الذهبي في السير ١٧/ ٢٥١ معقبًا على هذا الخبر: "ينبغي للمريد أن لا يقول لأستاذه: "لِمَ" إذا علمه معصومًا لا يجوز عليه الخطأ أما إذا كان الشيخُ غيرَ معصوم وكره قولَ: "لِم" فإنه لا يفلح أبدًا قال الله تعالى: ﴿عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٢] وقال: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ [العصر: ٣]، ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ [البلد: ١٧]، بلى هنا مريدون أثقالٌ أنكاد يعترِضُون ولا يقتدون ويقولون ولا يعملون فهؤلاء لا يفلحون". فينبغي على التلميذ أن يسأل أستاذه بأدب واحترام كما أنه ينبغي أن يناقشه بأسلوب مهذب وسائغ أو كان يرى في الشيخ خطأ لا يقره الشرع وأراد أن ينبهه عليه بأدب ولطف فإذا كان هذا مقصده فإنه والله يفلح فإذا علم الأستاذ حسن مقصده كان ينبغي عليه أن يأذن له ولستمع إليه ويعترف بالخطأ إذا تبين له وأن يغرس في نفس تلميذه ملكة النقد المفيد. انظر: السير ١٦/ ٢٣٧ و ١٧/ ٢٥٢ تعليق المحقق.
(٢) أخرجه القشيري في الرسالة ص ٣٤٠ أو ٢/ ٦٤٤ وذكر أبو عبد الرحمن السلمي عن أبي بكر الكَتَّاني قريبًا من ذلك. انظر: طبقات الصوفية ص ٣٧٥.

<<  <   >  >>