للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: وقد ذكر أبو بكر الخلال في "كتاب السنة" عن أحمد بن حنبل أنه قال: حَذِّروا عن حارث أشد التحذير! حارث أصل البلية -يعني: في حوادث كلام جهم- ذاك جالسه فلان وفلان فأخرجهم إلى رأي جهم، ما زال مأوى أصحاب الكلام، حارث بمنزلة الأسد المرابض أنظر أي وقت يثب على الناس (١).

[فصل]

وقد كان أوائل الصوفية يقرّون بأن التعويل على الكتاب والسنة (٢)، وإنما لبَّس الشيطان عليهم لقلة العلم:

° فأخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن خلف، قال: أخبرنا محمد بن الحسين السلمي، قال: سمعت الحسين بن يحيى، قال: سمعت جعفر الخلدي، قال: سمعت الجنيد يقول: قال أبو سليمان الداراني: ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أيامًا فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة (٣).


- أن العامة ليس عندها ملكة تفّرق بها بين الحق والباطل في مثل هذه المسائل العويصة، فضلًا عن قيامها على رجل مشهور بالصلاح، بل إنه إذا ذُكر عنه مثل ذلك فسرعان ما تصدّق به إلى حدّ الغلوّ.
- أن الناس قد يروون بعض المقالات على حسب ما يفهمونه، لا على حقيقة مراد القائل أو بألفاظه. - أنّ هذا مخالف لما اشتهر عنه من الكلمات النافعة، والمواعظ الحسنة.
(١) ذكره ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (١/ ٦٢ - ٦٣) عن الخلّال، قال: أخبرنا المروذي أن أبا عبد الله ذكر حارثًا المحاسبي فقال: "حارث أصل البلية .. " فذكره بنحوه. ومرّ معنا (ص ٤٢١) تحذير أحمد بن حنبل من مجالسة حارث المحاسبي، وذكرت من رواه هناك.
(٢) وهم أهل الاستقامة والعبادة والاتباع، قبل التحوّل الخطير في مذهب التصوّف من مذهب تهذيب وأخلاق، إلى مذاهب فلسفية وباطنية، تمخّض عنها القول: بالظاهر والباطن، والحلول والاتحاد، وتقديم الكشف والذوق على الشرع، وتفضيل الولي على النبي. وادعاء الاستغناء عن الرسول .. وما إليها من مواد دخيلة على الإسلام، وغريبة عن منهجه!
(٣) أخرجه السلمي في "طبقات الصوفية" (ص ٧٧، ٧٨)، وابن كثير في "البداية والنهاية" (١٠/ ٢٦٧)، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" (١٠/ ١٨٣).

<<  <   >  >>