للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ذكر تلبيسه عليهم في قراءة القرآن]

قد لبس على قوم بكثرة التلاوة، فهم يهذون هذًّا من غير ترتيل ولا تثبت، وهذه حالة ليست بمحمودة، وقد رُوي عن جماعة من السلف أنهم كانوا يقرؤون القرآن في يوم أو في ركعة (١)، وهذا يكون نادرًا منهم، ومن دام عليه وإن كان جائزًا إلا أن الترتيل والتثبت أحب إلى العلماء؛ فقد قال رسول الله : "لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث" (٢).

وقد لبس على قوم من القراء، فهم يقرؤون في منارة المسجد بالليل بالأصوات المرتفعة الجزء والجزأين، فيجمعون بين أذى الناس ومنعهم من النوم، وبين التعرض للرياء، وفيهم من يقرأ في مسجده وقت الأذان لأنه حين اجتماع الناس في المسجد.

ومن أعجب ما رأيت منهم: أن رجلًا كان يصلي بالناس صلاة الصبح يوم الجمعة، ثم يلتفت فيقرأ المعوذتين، ويدعو دعاء الختمة ليعلم الناس أني قد ختمت، وما هذه طريقة السلف، فإن السلف كانوا يسترون عباداتهم، كان عمل الربيع بن خثيم كله سرًّا، فربما دخل عليه الداخل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه (٣)، وكان أحمد بن حنبل يقرأ القرآن كثيرًا ولا يُدرى متى يختم (٤).

قال المصنف: قد سبق ذكر جملة من تلبيس إبليس على القراء.


(١) وممن رُوي عنه ذلك: تميم الداري وعثمان ، وسعيد بن جبير وعلقمة وعليّ الأزدي، وغيرهم. انظر: مصنّف ابن أبي شيبة (٢/ ٥٠٢ - ٥٠٣)، فتح الباري (٩/ ٩٥ - ٩٧).
(٢) أخرجه أبو داود (٢/ ١١٦ رقم ١٣٩٤)، والترمذي (٥/ ١٨٢ رقم ٢٩٤٩)، وابن ماجه (١/ ٤٢٨ رقم ١٣٤٧)، وأحمد (٢/ ١٦٤)، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(٣) أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائده على الزهد لأبيه (ص ٤٠١)، وأبو نعيم في الحلية (٢/ ١٠٧) بنحوه.
(٤) أخرجه ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد (ص ٢٦٨).

<<  <   >  >>