للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا الدليل وما يترتّب عليه عند أهل الكلام (١)، غير أن ابن الجوزي قد خالف المتكلمين -كما قدّمتُ سابقًا- في الاستدلال به، فلم يتماد في ذكر لوازمه الباطلة: من نفي الصفات عن المولى تعالى ذكره، ومن نفي قدرته تعالى على الفعل .. في تفاصيل خطيرة، بل اختصره فقال: "ومن الأدلة القطيعة على وجوده: أن العالم حادث، بدليل أنه لا يخلو من الحوادث، وكل ما لا ينفك عن الحوادث حادث، ولابدّ لحدوث هذا الحادث من سبب وهو الخالق سبحانه" (٢).

وهذه طريقة ابن عقيل فيما ذكره عنه شيخ الإسلام ابن تيمية (٣).

[المطلب الثاني: توحيد الألوهية]

لا شكَّ أن اعتناء الإمام ابن الجوزي بعلوم الكتاب والسُّنة والتصنيف فيها قد ترك أثرًا قويًّا لديه من حيث الاعتقاد والتمسك بمقتضى تلك العلوم، فوجدته موافقًا للكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح فيما وقفتُ عليه من موضوعات هذا التوحيد، عدا كلامه في موضوع التبرك كما سيأتي.

وسأورد بعض ما وقفتُ عليه من كلامه وتحريراته في ذلك الخصوص:

أولًا: استحقاق الربّ جلّ وعلا للعبادة وحده، دون سواه؛ لكونه خالقًا:

فالذي يَخلق هو الذي يُعبد، قال ابن الجوزي عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ [الأنبياء: ١٦]: "أي: لم نخلق ذلك عبثًا، إنما خلقناهما دلالة على قدرتنا ووحدانيتنا؛ ليعتبر الناس بخلقه، فيعلموا أن العبادة لا تصلح إلا لخالقه … " (٤).


(١) انظر (ص ١٦٧).
(٢) انظر (ص ١٦٧).
(٣) درء تعارض العقل والنقل (٩/ ١٦٠).
(٤) زاد المسير (٥/ ٣٤٣).

<<  <   >  >>