للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في التخشع ومطاطَأة الرأس وإقامة الناموس (١).

قال المصنِّفُ : إذا سكنَ الخوفُ القلبَ أوجبَ خشوعَ الظَّاهرِ، فلا يَملِكُ صاحبُهُ دَفعَه، فتراه مطرِقًا متأدِّبًا متذلِّلًا، وقد كانوا يَجتَهِدونَ في سَترِ ما يَظهَرُ من ذلك، وكان محمدُ بن سِيرينَ يضحكُ بالنَّهارِ ويَبْكِي باللَّيلِ (٢).

ولَسْنَا نأمُرُ العالِم بالانبِساطِ بينَ العوامِّ، فإنَّ ذلك يؤذيهِم، فقد روينا عن عليٍّ إنَّه قال: إذا ذكرتُم العِلمَ فاكظِمُوا عليهِ، ولا تخْلِطُوهُ بضَحِكٍ، فتمَجَّهُ القلوبٌ (٣).

ومثلُ هذا لا يُسمَّى رياءً؛ لأنَّ قلوبَ العوامِّ تضيقُ عن التَّأويلِ للعالِمِ إذا تفَسَّح في المُباح، فينبَغِي أن يلقاهُم بالصَّمتِ والأدَبِ، وإنَّما المذمومُ تكلُّف التخاشُعِ والتَّباكِي، ومطأطأ الرأسِ؛ ليُرى الإنسانُ بعينِ الزُّهدِ، والتهيُّؤ للمُصافَحَةِ وتقبيلِ اليد، وربَّما قيل له: اُدع لنا! فيتهيَّأ للدُّعاءِ، كأنه يستنزلُ الإجابة!

وقد ذكرنا عن إبراهِيمَ النَخَعِي أنهُ قيل له: ادع لنا، فكرِهَ ذلكَ واشتدَّ عليهِ (٤).


(١) النَّامُوس: وِعاء العِلْم وقيل: النامُوس صاحب سِرّ الخير، والجاسُوسُ صاحب سِرّ الشر، وقيل: الناموس هو الشرع الذي شرعه الله. ولعل الأخير أقربها لمراد المؤلف. انظر: النهاية ٥/ ١١٨ والتعريفات ص ٣٠٧ واللسان ٦/ ٢٤٤.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في الزهد ص ٣٠٧ وأبو نعيم في الحلية ٢/ ٢٧٢ وابن أبي الدنيا في مداراة الناس ص ٦٧ والمؤلف في صفة الصفوة ٣/ ٢٤٧.
(٣) أخرجه الدارمي في سننه ١/ ١٥٢ والإمام أحمد في فضائل الصحابة ١/ ٥٤٢ وأبو نعيم في الحلية ٧/ ٣٠٠ وأخرج ابن المبارك في الزهد ص ٩١ وأبو نعيم في الحلية ٦/ ٣٦٨ مثله عن سفيان الثوري.
(٤) نقله السيوطي عن المؤلف في الأمر بالاتباع ص ٢٠١ وعن طاوس أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره ٩/ ٢٩٠٩.
وليعلم أن طلب الدعاء مشروع من كل مؤمن لكل مؤمن ويدل على ذلك أمر النبي لعمر أن يطلب من أويس القرني أن يستغفر له، كما في صحيح مسلم رقم (٢٥٤٢). وإن كان الطالب أفضل من =

<<  <   >  >>