للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلم.

قال الشيخ جمال الدين عبد الرحمن بن الجوزي :

الحمد لله الذي سلم ميزان العدل إلى أكف ذوي الألباب، وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين بالثواب والعقاب. وأنزل عليهم الكتب مبينة للخطأ والصواب، وجعل الشرائع كاملة لا نقص فيها ولا عاب.

أحمده حمد من يعلم أنه مسبب الأسباب، وأشهد بوحدانيته شهادة مخلص في نيته غير مرتاب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله، وقد سدل الكفر على وجه الإيمان الحجاب، فنسخ الظلام بنور الهدى وكشف النقاب، وبيّن للناس ما نُزّل إليهم، وأوضح مشكلات الكتاب، وتركهم على المحجة البيضاء، لا سرب (١) فيها ولا سراب.

فصلى الله عليه وعلى جميع الآل وكل الأصحاب، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الحشر والحساب، وبعد:

فإن أعظم النعم على الإنسان العقل (٢)؛ لأنه الآلة في معرفة الإله، والسبب


(١) سرب: هو الحفير تحت الأرض. انظر: اللسان (سرب)، والقاموس المحيط (سرب).
(٢) أفضل نعم الله التي أنشأها للإنسان وجعلها في خلقه هي العقل، وأعظم النعم على الإنسان الإيمان، ووجه تفضيل العقل هو في كونه الأداة في التفكير والتدبر والاعتبار، وهو مناط التكليف، وقد أولاه ديننا الحنيف مكانة خاصة، إذ جعله من الضروريات الخمس التي جاء لحفظها، ومن مظاهر هذا الحفظ: ذم التقليد ومحاربة الخرافة والدجل، ومنها تحريم المسكرات بجميع أنواعها. غير أن هذا العقل محدود المجال، كما يشير المصنف بعدُ في باب العقائد والسمعيات، إذ لا يستقل بمعرفتها بعيدًا عن الشرع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (ولهذا لما سلك طوائف من المتفلسفة والمتكلمة مثل هذه الأقيسة [العقلية] في المطالب الإلهية لم يصلوا بها إلى اليقين، بل تناقضت أدلتهم، وغلب عليهم بعد التناهي الحيرة والاضطراب). درء التعارض (١/ ٢٩).

<<  <   >  >>