للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِهَا، وليسَ هذا بِتَفْرِيطٍ.

قلت: وهل التفريطُ إلَّا هذا؟!

ورأيتُ شيخًا آخرَ منهم يقولُ: خرقْتُ خرْقةً في بلدِنا، فأصابَ رجلٌ منها خريقَةً فعمِلها كِنْفًا (١) فباعهُ بِخَمسةِ دنانيرٍ، فقلت له: إنَّ الشَّرعَ لا يجيزُ هذه الرُّعونات لمثلِ هذهِ النَّوادِر.

وأعْجَبُ من هذينِ الرَّجُلَينِ أبو حامدٍ الطُّوسيِّ، فإنهُ قال: يُبَاحُ لهم تَمزيقُ الثِّيابِ إذا خُرِّقَتْ قِطَعًا مربَّعةً تصلحُ لترقيعِ الثيابِ والسجَّاداتِ، فإنَّ الثوبَ يُمزَّق حتَّى يُخاطَ منهُ القميص، ولا يكون ذلكَ تضْيِيعًا (٢).

قال المصنِّف: ولقد عجِبْتُ من هذا الرَّجلِ كيفَ اسْتَلَبَهُ حبُّ مذهبِ التَّصوُّفِ عن أصولِ الفقهِ ومذهبِ الشافعيِّ، فنظرَ إلى انتفاعٍ خاصٍّ! ثم ما معنى مربَّعة؟! فإنَّ المطاوَلَةَ يُنْتَفَعُ بها أيْضًا!

ثم لو مُزِّقَ الثوبُ قرامِلَ (٣) لانْتُفِعَ بِها، ولَو كُسِرَ السَّيفُ نصفَينِ لانتُفِعَ بالنصفِ، غير أن الشرعَ يتَلَمَّحُ الفوائدَ العامةَ ويسمِّي ما ينقُصُ عنها الانتفاعُ إِتلافًا، ولهذا يَنْهى عنْ كسرِ الدِّرهمِ الصحيحِ؛ لأنَّه يُذهِبُ منه قيمةً بالإضافةِ إلى المكْسُورِ، فليس العجبُ من تلبيسِ إبليسَ على الجهَلَةِ منهم، بل على الفقهاءِ الذين اختاروا بِدَع المتصوِّفة على حكم أبي حنيفةَ والشافعيِّ !

فصل:


(١) الكِنْف: الوعاء الذي يكْنُف ما جُعل فيه أَي يحفظه. انظر: العين ٥/ ٣٨١ واللسان ٩/ ٣١٠.
(٢) الإحياء ٢/ ٣٠٤
(٣) القَرامِيل: ما وصلت به الشعر من صوف أَو شعر. انظر: الصحاح ٥/ ١٨٠١ واللسان ١١/ ٥٥٦.

<<  <   >  >>