للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فصل في بيان تلبيس إيليس عليهم في هذه الأفعال وإيضاح خطئهم فيها]

• قال المصنف: أما ما نُقِلَ عن سهل ففِعْل لا يجوز؛ لأنه حمل على النفس ما لا تطيق، ثم إن الله تعالى أكرم الآدميين بالحنطة وجعل قشورها لبهائمهم، فلا يصلح مزاحمة البهائم في أكل التبن، وأي غذاء للتبن! ومثل هذه الأشياء أشهر من أن يحتاج إلى رد.

وقد حكى أبو حامد (١) عن سهل أنه كان يرى أن صلاة الجائع الذي قد أضعفه الجوع قاعدًا أفضل من صلاته قائمًا إذا قوَّاه الأكل. وهذا خطأ بل إذا تقوَّى على القيام كان أكله عبادة؛ لأنه يعين على العبادة، وإذا تجوَّع إلى أن يصلي قاعدًا فقد تسبب إلى ترك الفرائض فلم يجز له (٢)، ولو كان المتناول ميتة ما جاز هذا، كيف وهو حلال! ثم أي قُربة في هذا الجوع المعطل أدوات العبادة؟!

• وأما قول الحذاء (٣): أنا أنظر أيغلب العلم أم اليقين؟

فإنه جهل محض؛ لأنه ليس بين اليقين والعلم تضاد، إنما اليقين أعلى مراتب العلم، وأين من العلم واليقين ترك ما تحتاج إليه النفس من المطعم والمشرب؟! وإنما أشار بالعلم إلى أمر الشرع، وأشار باليقين إلى قوة الصبر، وهذا تخليط قبيح، وهؤلاء قوم تشددوا فيما ابتدعوا، فكانوا كقريش في تشددهم حتى سموا بالحُمْس (٤)، فجحدوا الأصل وتشددوا في الفرع.


(١) إحياء علوم الدين (٣/ ٨٩).
(٢) ثم إن صلاة القائم أفضل من صلاة القاعد بنصّ حديث رسول الله : "صلاة القاعد على النّصف من صلاة القائم" رواه البخاري (الفتح ٢/ ٥٨٥).
(٣) تقدّم قوله (ص ٥٠١).
(٤) الحُمْس: المتشددون. اللسان (حمس).

<<  <   >  >>