للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• والثالث: أن يذكر له عقاب من أُهلك من العلماء التاركين للعمل بالعلم، كإبليس وبلعام، ويكفي في ذم العالم إذا لم يعمل قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ [الجمعة: ٥].

[فصل]

وقد لبس على قوم من المُحْكِمَين للعلم والعمل من جهة أخرى: فحسَّن لهم الكبر بالعلم، والحسد للنظير، والرياء لطلب الرياسة، فتارة يُريهم أن هذا كالحق الواجب لكم، وتارة يقوِّي حبَّ ذلك عندهم؛ فلا يتركونه مع علمهم أنه خطأ.

وعلاج هذا لمن وُفِّقَ: إدمان النظر في إثم الكبر والحسد والرياء، وإعلام النفس أن العلم لا يدفع شر هذه المكتسبات، بل يضاعف عقابها؛ لتضاعف الحجة بها، ومن نظر في سِيَر السلف من العلماء والعالمين احتقر نفسه فلم يتكبر، ومن عرف الله لم يُرَاء، ومن لاحظ جريان أقداره على مقتضى إرادته لم يحسد.

وقد يدخل إبليس على هؤلاء بشبهة ظريفة فيقول: طلبكم للرفعة ليس بتكبر؛ لأنكم نواب الشرع، فأنتم تطلبون إعزاز الدين، ودحض أهل البدع، وإطلاقكم اللسان في الحساد غضب للشرع؛ إذ الحساد قد ذموا من قام به، وما تظنونه رياء فليس برياء؛ لأن من تخاشع منكم وتباكى اقتدى به الناس كما يقتدون بالطبيب إذا احتمى أكثر من اقتدائهم بقوله إذا وصف.

وكشف هذا التلبيس: أنه لو تكبر متكبر على غيرهم من جنسهم وصعد في المجلس فوقه أو قال حاسده عنه شيئًا، لم يغضب هذا العالم لذلك كغضبه لنفسه وإن كان المذكور من نواب الشرع، فعلم أنه إنما يغضب لنفسه لا للعلم.


= (ص ١٨١ رقم ٦٧ - ٦٨).

<<  <   >  >>