للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آداب النفوس وصلاح القلوب، ومما هو أفضل من علوم التفسير والحديث والفقه، فأذهبوا الزمان كله في علوم لا تراد لنفسها بل لغيرها، فإن الإنسان إذا فهم الكلمة فينبغي أن يرقى إلى العمل بها؛ إذ هي مرادة لغيرها، فترى الإنسان منهم لا يكاد يعرف من آداب الشريعة إلا القليل، ولا من الفقه، ولا يلتفت إلى تزكية نفسه وصلاح قلبه.

ومع هذا ففيهم كبر عظيم! وقد خيل إليهم إبليس أنكم من علماء الإسلام؛ لأن النحو واللغة من علوم الإسلام، وبها يعرف معنى القرآن العزيز، ولعمري! إن هذا لا ينكر، ولكن معرفة ما يلزم من النحو لإصلاح اللسان، وما يحتاج إليه من اللغة في تفسير القرآن والحديث أمر قريب، وهو كاللازم، وما عدا ذلك فضل لا يحتاج إليه، فإنفاق الزمان في تحصيل هذا الفاضل وليس بمهم مع ترك المهم غلط، وإيثاره على ما هو أنفع وأعلى رتبة كالفقه والحديث غبْنٌ، ولو اتسع العمر لمعرفة الكل كان حسنًا، ولكن العمر قصير فينبغي إيثار الأهم والأفضل!

[فصل]

ومما ظنوه صوابًا وهو خطأ: ما أخبرنا به أبو منصور اللغوي وأبو الفضل بن ناصر، وأبو الحسن الأنصاري، قالوا: حدثنا أبو زكريا التبريزي، قال: أنا سليم بن أيوب قال: أخبرنا أبو الحسين بن فارس قال: قيل لفقيه العرب (١): هل يجب على الرجل إذا أشهد الوضوء؟ قال: نعم. قال: والإشهاد (٢) أن يمذي


(١) قال الكمال الدميري: (ليس المراد بفقيه العرب شخصًا معيّنًا، إنما يذكرون ألغازًا ومُلحًا ينسبونها إليه، وهو مجهول لا يعرف، ونكرة لا تتعرّف). وسمّاه التبريزي: الحارث بن كلدة. انظر: المزهر للسيوطي (١/ ٦٣٧ - ٦٣٨).
(٢) انظر: القاموس المحيط (شهد). وزاد: أشهدت الجارية: حاضت. وللفظ معنى آخر هو: البلوغ. ولعل هذا ما يقصده ابن الجوزي، بحيث يكون الإشهاد بمعنى الإمذاء، والبلوغ، فحينئذ يجب أن يستفصل من السائل عن المعنى الذي قصده بسؤاله، وبالتالي يستقيم الجواب عنه، وقد وردت الرواية في مقامات =

<<  <   >  >>