للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم من أقبح الأشياء قوله: إن الصوفية يتفردون بسنن! لأنها إن كانت مسنونة بالشرع فالمسلمون كلهم فيها سواء، والفقهاء أعرفُ بها، فما وجه انفراد الصوفية بها، وإن كانت بآرائهم فإنما انفردوا بها لأنهم اخترعوها.

[ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في المساكن]

أما بناء الأربطة (١) فإن قوما من متعبديهم الماضين اتخذوها للانفراد بالتعبد، وهؤلاء إذا صح قصدهم فهم على الخطأ من أوجه:

° أحدها: أنهم ابتدعوا هذا البناء، وإنما بنيانُ الإسلام المساجدُ.

° والثاني: أنهم جعلوا للمساجد نظيرا يُقلِّلُ جمعها.

° والثالث: أنهم أفاتوا أنفسهم نقل الخُطا إلى المساجد.

° والرابع: أنهم تشبَّهوا بانفراد النصارى في الديرة.

° والخامس: أنهم تعزَّبوا وهم شباب وأكثرهم محتاج إلى النكاح.

° والسادس: أنهم جعلوا لأنفسهم عَلَما ينطقُ بأنهم زُهَّاد؛ فيوجب ذلك زيارتهم والتبرك بهم.

وإن كان قصدهم غير صحيح فإنهم قد بنوا دكاكين للكدية (٢)، ومناخًا للبطالة، وأعلامًا لإظهار التزهد!

وقد رأينا جمهور المتأخرين منهم مستريحين في الأربطة من كَدِّ المعاش، متشاغلين بالأكل والشرب والغناء والرقص، يطلبون الدنيا من كل ظالم ولا


(١) الأربطة: جمع رباط، وهو في الأصل ما تربط فيه الخيول، ثم سُمي بذلك الثغر الذي يدفع أهله عمن وراءهم، ثم أصبح يطلق على ما استحدثه الصوفية من أبنية يختلون فيها. وفي الرباط حجرة عامة يسمونها بيت الجماعة، يشرف فيها شيخ على جماعة من الريدين. وقد يسمى الرباط: "الخانقاه". انظر: المعجم الصوفي د. الحفني (ص ١٠٢) و (ص ٨٧).
(٢) الكدية: هي الإلحاح في المسألة. اللسان (كدا).

<<  <   >  >>