للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ذكر تلبيس إبليس على الصوفية إذا مات لهم ميت]

قال المصنِّفُ: له في ذلك تلبيسانِ:

الأول: أنهُم يقولون: لا نبكِي على هالِكٍ، ومَن بَكَى على هالِكٍ خَرجَ عن طَرِيقةِ أهلِ المعارف.

قال ابنُ عقيلٍ: وهذ دعوَى تزِيدُ على الشَّرعِ، فهِي حديثُ خُرافةٍ، وتخرُج عن العاداتِ والطِّباعِ، فهِي انحرافٌ عن المزاجِ المعتدِل، فينبغي أن يُطلَبَ لها العلاجُ بالأدوِيةِ المُعدِّلةِ للمزاجِ، فإنَّ اللهَ تعالى أخبَر عن نبيٍّ كريمٍ، فقال: ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ﴾ [يوسف: ٨٤] وقال: ﴿يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾ [يوسف: ٨٤]، وبكَى رسولُ الله عندَ موتِ ولدِه، وقال: "إنَّ العينَ لتدمعُ" (١)، وقال: "واكرباه" (٢)، وقالت فاطمةُ : واكربَ أبتاهُ. فلم يُنكِر (٣).

وسمع عمرُ بنُ الخطَّابِ مُتَمِّمًا يندُبُ أخاه ويقول:

وكنَّا كَنَدمَانَي جَذِيمة حِقبةً … مِن الدَّهرِ حتَّى قيلَ لن يَتَصدَّعا (٤)


(١) جزء من حديث متفق عليه في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس بن مالك أخرجه البخاري رقم (١٣٠٣) ومسلم رقم (٢٣١٥) وأبو داود رقم (٣١٢٦) والإمام أحمد ٣/ ١٩٤.
(٢) قالها رسول الله في حديث طويل، أخرجه الطبراني في الكبير ٣/ ٥٨ رقم (٢٦٧٦) عن جابر وابن عباس وأبو نعيم في الحلية ٤/ ٧٣ وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد ٩/ ٣٠ وقال: رواه الطبراني، وفيه عبد المنعم بن إدريس، وهو كذاب وضاع. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ١/ ٢٩٥، ٣١٠ وقال: هذا حديث موضوع محال كافأ الله من وضعه وقبح من يشين الشريعة بمثل هذا التخليط البارد والكلام الذي لا يليق بالرسول ولا بالصحابة. وانظر: ما تقدم عن عبد المنعم بن إدريس ص ٤٤٥.
(٣) أخرجه البخاري رقم (٤٤٦٢) عن أنس، وأخرجه الترمذي بنحوه رقم (٣٧٩) وابن ماجه رقم (١٦٢٩) وأحمد في المسند ٣/ ١٤١.
وقولها: واكرب أبتاه: هذا يدل أنها لم ترفع صوتها بذلك وإلا لكان ينهاها ولا يقال إنه نوع من النياحة؛ لأن هذا ندبة مباحة ليس فيها ما يشبه نوح الجاهلية من الكذب ونحوه. انظر: الفتح ٨/ ١٤٩ وعمدة القاري ١٨/ ٧٤ - ٧٥.
(٤) هذا البيت لمتمم بن نويرة يرثي أخاه مالكًا وذكر طرفًا من القصيدة ابن عساكر في تاريخه ١٦/ ٢٥٧.

<<  <   >  >>