للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فصل]

ومن الزهاد من يلبس الثوب المخرق فلا يخيطه، ويترك إصلاح عمامته، وتسريح لحيته؛ ليرى أنه ما عنده من الدنيا خير.

وهذا من أبواب الرياء، فإن كان صادقًا في إعراضه عن أغراضه، كما قيل لداود الطائي: ألا تسرح لحيتك؟ فقال: إني عنها مشغول (١)، فليعلم أنه قد سلك به غير الجادة، إذ ليست هذه طريقة الرسول ولا أصحابه، فإنه كان يسرح شعره، وينظر في المرآة، ويدهن ويتطيب (٢) وهو أشغل الخلق بالآخرة، وكان أبو بكر وعمر يخضبان بالحناء والكتم (٣) (٤) وهما أخوف الصحابة وأزهدهم، ومن ادعى رتبة تزيد على السنة السنة وأفعال الأكابر لم يُلتفت إليه!

[فصل]

ومن الزهاد من يلزم الصمت الدائم، وينفرد عن مخالطة أهله؛ فيؤذيهم بقبح


(١) أخرجه أبو نعيم في الحلية (٧/ ٣٣٩)، والخطيب في تاريخه (٨/ ٣٥٠)، وذكره الذهبي في تاريخ الإسلام وفيات ١٦١ - ١٧٠ (ص ١٨١).
(٢) ثبت كل ذلك عن النبي : فعن عائشة قالت: "كنت أرجّل رأس رسول الله وأنا حائض".
أخرجه البخاري (١٠/ ٣٦٨ رقم ٥٩٢٥)، ومسلم (١/ ٢٤٤ رقم ٢٩٧) واللفظ للبخاري. وعن جابر بن سمرة قال: "كان رسول الله قد شَمِط مقدّم رأسه ولحيته، وكان إذا مشط مقدّم رأسه وادّهن لم يُرَيْنَ". أخرجه ابن سعد (١/ ٤٣٣)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي (ص ١٨٥ رقم ٥٢٩)، والبغوي في الأنوار في شمائل النبي المختار (٢/ ٦٨٢ رقم ١٠٧٥). وأصله عند مسلم (٤/ ١٨٢٢ رقم ٢٣٤٤) بغير هذا اللفظ. وعن عائشة قالت: "كنت أطيب النبي بأطيب ما يجد، حتى أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته". أخرجه البخاري (١٠/ ٣٦٦ رقم ٥٩٢٣). وأما اتخاذ المرآة والنّظر فيها فورد من طرق ضعاف، لكن يسند بعضها بعضًا. وانظر في ذلك أخلاق النبي لأبي الشيخ (ص ١٨٢)، والأنوار للبغوي (٢/ ٦٨٥)، ومجمع الزوائد (٥/ ١٧٤).
(٣) الكتم: نبت يخلط مع الوسمة (وهي نبت يختضب بورقه)، ويصبغ به الشعر أسود. النهاية (كتم)، المصباح المنير (وسم).
(٤) أخرجه مسلم (٤/ ١٨٢١ رقم ٢٣٤١)، وأحمد (٣/ ١٦٠).

<<  <   >  >>