للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنهم من يمشي بالمداس على البوري (١)، وهذا لا بأس به، إلا أنه ربما نظر المبتدئ إلى من يقتدي به فظن ذلك شريعةً، وما كان خيار السلف على هذا، والعجبُ ممن يبالغ في الاحتراز إلى هذا الحد تنظيفًا لظاهره وباطنه محشو بالوسخ والكدر!

[ذكر تلبيسه عليهم في الصلاة]

قد ذكرنا تلبيسه على العُبَّاد في الصلاة (٢)، وهو بذلك يلبس على الصوفية ويزيد، وقد ذكر محمد بن طاهر المقدسي (٣) أن من سنتهم التي ينفردون بها وينتسبون إليها صلاة ركعتين بعد لبس المرقعة والتوبة، واحتجَّ عليه بحديث ثُمامة بن أثال: "أن النبي أمره حين أسلم أن يغتسل" (٤).

قال المصنف: قلت: وما أقبح بالجاهل إذا تعاطى ما ليس من شغله! فإن ثُمامة كان كافرًا فأسلم، وإذا أسلم الكافر وَجَبَ عليه الغُسل في مذهب جماعة من الفقهاء، منهم أحمد بن حنبل، وأما صلاة ركعتين فما أمر بها أحد من العلماء من أسلم، وليس في حديث ثمامة ذِكْرُ صلاةٍ (٥) فيُقاس عليها، وهل هذا إلا ابتداع بالواقع سموه سُنة!


(١) البوري: هي كلمة فارسية، أصلها بوريا، وهي الحصير المنسوج من القصب. القاموس المحيط (بور)، وانظر: معجم الألفاظ الفارسية المعربة (ص ٣٠).
(٢) انظر: (ص ٣٦٢ وما بعدها).
(٣) صفوة التصوّف (ص ٢٠١).
(٤) أخرجه أحمد (٢/ ٤٨٣)، وابن خزيمة في صحيحه (١/ ١٢٥ رقم ٢٥٣)، وابن حبان (٤/ ٤١ - ٤٢ رقم ١٢٣٩ - ١٢٣٨)، وعبد الرزاق في المصنف (١٠/ ٣١٨ رقم ١٩٢٢٦)، وأصل القصة عند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة دون لفظ الشاهد وهو الأمر بالاغتسال. رواه البخاري (١/ ٥٥٥ رقم ٤٦٢) و (٨/ ٨٧ رقم ٤٣٧٢). ومسلم (٣/ ١٣٨٦ رقم ١٧٦٤).
(٥) إن كان المؤلّف يقصد الصحيحين فمسلّم، وإلا فإنَّ أكثر من خرّجه كابن حبّان وابن خزيمة وابن الجارود -وغيرهم كما في التخريج السابق- ذكروا فيه أن ثمامة صلى ركعتين، لكن ليس عندهم أن النبي أمره بذلك. وكلام المؤلف وجيه؛ إِذ لا يصح لهم القياس؛ لأن ثمامة كان كافرًا ثم أسلم، والله أعلم.

<<  <   >  >>