للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنف : قلت: وخطأُ هذا الرجل من وجهين:

أحدهما: أنه نظر إلى جانب الرحمة ولم ينظر إلى العقاب.

والثاني: أنه نسي أن الرحمة إنما تكون لتائب كما قالَ ﷿: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ﴾ [طه: ٨٢]، وقال: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦]، وهذا التَّلبيس هو الذي يهلك عامة العوام، وقد كشفناه في ذكر أهل الإِباحة (١).

[فصل]

• ومِنَ العَوامِّ من يقولُ: هؤلاءِ العُلماءُ ما يُحافِظونَ على الحُدودِ، فُلانٌ يفعَلُ كذا، وفلانٌ يفعَلُ كذا، فأَمْري أَنا قريبٌ!

وكَشف هذا التلبيس أَنَّ الجاهِلَ والعالِمَ في بابِ التكليفِ سواءٌ، فغَلَبَةُ الهوى للعالِمِ لا يكونُ عُذرًا للجاهِلِ.

[فصل]

• ومنهم من يقولُ: ما قَدْرُ ذنبي حتى أُعاقَبَ! ومَنْ أَنا حتى أُؤاخَذَ، وذنبي لا يضرُّهُ، وطاعَتي لا تنفَعُهُ، وعفوُهُ أَعظمُ مِن جُرْمي؛ كما قالَ قائِلُهُم:

مَنْ أَنا عِنْدَ اللهِ حَتَّى إِذا … أَذْنَبْتُ لا يَغْفِرُ لي ذَنْبِي (٢)

وهذه حماقةٌ عظيمةٌ! كأنَّهُم اعْتَقَدوا أنَّهُ لا يؤاخِذُ إِلا ضِدًّا أَو نِدّا ثم أما عَلِموا أنَّه بالمخالَفَةِ قد صاروا في مقامِ مُعاندٍ.

وسَمِعَ ابنُ عقيلٍ رجلًا يقولُ: ومَن أنا حتى يعاقِبَني الله؟! فقالَ لهُ: أَنتَ الذي لو أَماتَ اللهُ جميعَ الخلائِقِ وبقيتَ أَنتَ لكانَ قولُهُ تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾ خِطابًا لكَ.


(١) انظر: ما قدمه المؤلف ص ٧٣٥.
(٢) هذا البيت ذكره الثعلبي في يتيمة الدهر ٥/ ٢٨ ونسبه إلى أبي القاسم علي بن محمد البهدلي الأيلي.

<<  <   >  >>