للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الموسوسين من يحلف بالله لا كَبَّرْتُ غير هذه المرة، وفيهم من يحلف بالخروج من ماله أو بالطلاق، وهذه كلها تلبيسات إبليس.

والشريعة سمحة سهلة سليمة من هذه الآفات، وما جرى لرسول الله ولا لأصحابه شيء من هذا، وقد بلغنا عن أبي حازم أنه دخل المسجد فوسوس إليه إبليس أنك تصلي بغير وضوء، فقال: ما بلغ نصحك إلى هذا (١)!

وكشف هذا التلبيس: أن يقال للموسوس: إن كنت تريد إحضار النية فالنية حاضرة؛ لأنك قمت لتؤدي الفريضة، وهذه هي النية، ومحلها القلب لا اللفظ، فإن كنت تريد تصحيح اللفظ، فاللفظ لا يجب، ثم قد قلته صحيحًا، فما وجه الإعادة؟ أفتراك تظن وقد قلت إنك ما قلت؟ هذا مرض!

قال المصنف: ولقد حكى لي بعض الأشياخ عن ابن عقيل حكاية عجيبة: أن رجلًا لقيه فقال: إني أغسل العضو وأقول ما غسلته، وأكبر وأقول: ما كبرت. فقال له ابن عقيل: دع الصلاة؛ فإنها ما تجب عليك. فقال قوم لابن عقيل: كيف تقول له هذا؟! فقال لهم: قد قال النبي : "رفع القلم عن المجنون حتى يفيق" (٢)، ومن يكبر ويقول ما كبرت فليس بعاقل، والمجنون لا تجب عليه الصلاة.

قال المصنف: قلت: واعلم أن الوسوسة في نية الصلاة سببها خبل في العقل أو جهل في الشرع، ومعلوم أن من دخل عليه عالم فقام له فلو قال: نويت أن أنتصب


(١) ذكره ابن الجوزي في أخبار الظّراف والمتماجنين (ص ٧٠)، وموفق الدين ابن قدامة المقدسي في ذمّ الوسواس (ص ٨٠) بنحوه، لكنه قال: بلغني عن بعض السّلف.
(٢) أخرجه النسائي (٦/ ١٥٦)، وابن ماجه (١/ ٦٥٨ رقم ٢٠٤١)، وابن حبان في صحيحه (١/ ٣٥٥ رقم ١٤٢)، والحاكم (٢/ ٥٩)، وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. ورواه أبو داود (٤/ ٥٥٨ رقم ٤٣٩٨)، وأحمد (٦/ ١٠٠ - ١٠١، ١٤٤)، قال أحمد شاكر في تعليقه على الرسالة للشافعي (ص ٥٨): حديث صحيح.

<<  <   >  >>