للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- فإن كان فيها باطلٌ فلا ألُومُ مَن دفَنَها.

- وإن كانَ قد اختلَطَ الحقُّ بالباطلِ ولَم يُمكِن تميِيزُهُ كان عُذرًا في إتلافِها، فإنَّ أقوامًا كتبُوا عن ثِقاتٍ وعن كذَّابِين، واختلَطَ الأمرُ عليهم فدفنوا كُتُبَهم، وعلى هذا يُحمَل ما يُروَى مِن دَفنِ الكُتُبِ عن سُفيانَ الثَّورِي (١).

وإن كان فيها الحقُّ والشَّرعُ فلا يَحلُّ إتلافُها بوجهٍ؛ لكونِها ضابِطةً لِلعلمِ وأموالًا.

ولْيُسْأَل مَن يقصِدُ إتلافَها عن مقصودِه، فإن قال: تشغلُنِي عن العِبادةِ، قيل له: جوابُكَ مِن ثلاثةِ أوجُهٍ:

أحدُها: أنَّك لو فهِمتَ؛ لَعَلِمتَ أنَّ التشاغُلَ بالعِلمِ أوفَى العِبادات (٢).

والثانِي: أنَّ هذهِ اليَقظَةَ التي وقَعت لكَ لا تدُومُ، فكأنِّي بكَ وقَد ندِمتَ على ما فعلتَ بعدَ الفَوات (٣).

واعلم أنَّ القُلوبَ لا تَبقى على صفائِها، بل تَصدَأ فَتحتَاجُ إلى جَلاءٍ، ولَا جَلاءَ كالنَّظَر في كُتُب العِلم، وقد كان يوسفُ بنُ أسباطٍ دفَن كتبَه ثمَّ لم يَصبِر عن التَّحديثِ، فحدَّث مِن حفظِه فخلّط (٤).


(١) أخرجه أبو نعيم في الحلية ٧/ ٣٨ و ٦٤ ونقله الذهبي في السير ٧/ ٢٦١. وأخرجه الدارمي في سننه ١/ ١٣٩ قال: كان سفيان يكتب الحديث بالليل في الحائط فإذا أصبح نسخه ثم حكه. قال محققه ١/ ٤٤١: إسناده صحيح.
(٢) انظر في بيان ذلك: شرف أصحاب الحديث ص ٨١.
(٣) وانظر فيمن ندم على محو الحديث: تقييد العلم ص ٦٠.
(٤) انظر: التاريخ الكبير ٨/ ٣٨٥ والأوسط ٢/ ٢٦٥ ومعرفة الثقات للعجلي ٢/ ٣٧٤ والجرح والتعديل ٩/ ٢١٨ وضعفاء العقيلي ٤/ ٤٥٤.

<<  <   >  >>