للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأُخْرِجَتِ السياط إذا أنا بإنسان يجذب ثوبي من ورائي ويقول لي: تعرفني؟ قلت: لا. قال: أنا أبو الهيثم العَيَّارُ اللصُّ الطَّرَّارُ (١) مكتوبٌ في ديوان أمير المؤمنين ضُرِبْتُ ثمانيةَ عشر ألف سوطٍ بالتفاريق، وصبرتُ في ذلك على طاعةِ الشيطان؛ لأجلِ الدُّنيا، فاصبرْ أنتَ في طاعة الرحمنِ؛ لأجلِ الدِّين (٢).

قال المصنف قلت: أبو الهيثم هذا يقال له: خالد الحدَّادُ، كان يُضْرَبُ المَثَلُ بصبره.

وقال له المتوكلُ: ما بَلَغَ من جَلَدِكَ؟ قالَ: املأ لي جِرابًا عقارِبَ ثم أدخل يدي فيه، وإنه ليؤلمني ما يؤلمكَ، وأجدُ لآخرِ سوطٍ من الألم ما أجدُ لأولِ سوطٍ، ولو وُضِعتْ في فمي خرقةٌ وأنا أُضْرَبُ لاحترقت؛ من حرارة ما يخرج من جوفي، ولكنني وطَّنْتُ نفسي على الصبر. فقال له الفتح: ويحك مع هذا اللسان والعقل؛ ما يدعوكَ إلى ما أنت فيه من الباطل. فقالَ: أحب الرئاسة. فقال المتوكل: نحن خليدية (٣) وقال الفتح: أنا خليدي.

وقال رجل لخالد: يا خالد ما أنتم لحوم ودماء فيؤلمكم الضرب؟ فقال: بلى يؤلمنا، ولكنْ معنا عزيمةُ صبرٍ ليست لكم.

وقالَ داود بن علي: لما قدم خالد، اشتهيت أن أراه فمضيت إليه فوجدته جالسًا غير متمكن؛ لذهاب لحم أليتيه من الضرب، وإذا حوله فتيان فجعلوا يقولون:


(١) الطَّرَّار: هو الذي يَشُّقُّ كُمَّ الرَّجُل ويَسُلُّ ما فيه من الطَّرّ: القَطْع والشَّق. انظر: النهاية ٣/ ١١٨ واللسان ٤/ ٤٩٩.
(٢) أخرجه المؤلف في مناقب الإمام أحمد ص ٣٣٣ وذكره المؤلف في صفة الصفوة ٢/ ٣٥١ والمزي في تهذيب الكمال ١/ ٤٦١ وابن عساكر في تاريخه ٥/ ٣١٣.
(٣) نسبة إلى خالد على غير قياس فكأنهم انتسبوا إليه لعظم صنيعه ومقصده في نفوسهم.

<<  <   >  >>