للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللحِنْث في: إن خَرَجْتِ، وإن: ضَرَبْتِ لمُريْدةِ خروج، أو ضربِ عبدٍ، فِعْلُهُما فورًا. وفي: إن تغديتُ، بعد تَعَالَ تغَدَّ معي، تَغَدِّيهِ معه.

===

يقول: إلا خُروجاً بإذني، فعرفنا أنه (صفة المستثنى. وهنا لو قال: إلا خروجاً إن أذن لك، كان كلاماً مختلاً، فعرفنا أنه) (١) بمعنى التوقيت، فإن قيل: يشكل هذا بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلُوا بيوتَ النبيِّ إلا أن يُؤْذَنَ لكم} (٢) فإنَّ الإذن لا بد منه في الدخول إلى بيت النبي في كل مرة.

وأجيب بأن ذلك ثبت بآخر الآية وهو قوله تعالى: {إن ذلكم كان يُؤذي النبيَّ} والإيذاء موجود في كل مرة، أو بدليل آخر من الأُصول، وهو أن الدخول في ملك الغير بغير إذنه حرام. ولو قال: أردت إلا أن آذن كل مرة صُدق ديانةً وقضاءً، لأن في ذلك تشديداً عليه.

(وللحِنْث) عطف على للبِرِّ، أي وشرط للحنث (في: إن خرجت وإن ضربت) فأنت طالق (لمُريْدة خروج) في الأولى (أو ضربِ عبدٍ) في الثانية (فِعْلُهُما) أي فعل الخروج وفعل الضرب (فوراً) أي في الحال، وهو في أصل اللغة مصدر فارت القِدْر إذا غَلَت، استُعيرت للسرعة والحالة التي لا لبث فيها، حتى لو جلست ثم خرجت أو تركت ضَرْب العبدِ، ثم ضربته لم يحنث، لأن مرادَ المتكلِّمِ الخروجُ والضربُ في تلك الحالة، فيتقيد بها. والاعتبار بالعرف.

(وفي إن تغديت) عطف على في إن خرجت. أي وشُرط للحنث في: إن تغديتُ، من غير أن يقول: معك أو معه، فعبدي حر (بعد) قول القائل (تَعَالَ تَغَدَّ معي، تغدّيه معه) فوراً.

وقال زفر ومالك والشافعي: لا يشترط، لأنه عقد يمينَه على مطلق الغداء. ولنا أنه عقد كلامه على غداءٍ معين وهو الغداءُ المدعو إليه الذي بين يديه، لأن كلامه خرج مَخْرَج الجواب. والغداءُ في السؤال معين وكذا في جوابه. وقد تفرد بإظهار هذه اليمين الفورية أبو حنيفة. وكان الناس يقولون: اليمين على نوعين: مطلقة، ومؤقتة بوقت، فاستنبط أبو حنيفة من العرف هذه، وهي مطلقةٌ لفظاً مؤقتةٌ معنًى. وقيل: إنما أخذها من حديث جابر بن عبد الله وابنه حين دعيا إلى نُصرة إنسان، فحلفا أن لا ينصراه، ثم نصراه بعد ذلك ولم يحنثا.


(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.
(٢) سورة الأحزاب، الآية: (٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>