للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلطان، ودُيِّنَ نِيَّة الحقيقة. وشُرِطَ للبِرِّ في: لا تَخْرُج إلا بإذنه، لكل خروجٍ إذنٌ، لا في: إلا أن آذَنَ،

===

سلطان) لأن الاستطاعة في العُرْف سلامَةُ الأسباب، والآلات، وارتفاعُ الموانع الحسيَّة، فينصرف اللفظ إليها عند الإِطلاق، ومن ذلك قوله تعالى: {وعلى النَّاسِ حِجُّ البيتِ مَنْ استطاعَ إليه سبيلاً} (١) وفسّره النبي صلى الله عليه وسلم بِمِلك الزَّاد والرَّاحلة. وقوله سبحانه: {وأعِدُّوا لهم ما استطعتم مِنْ قُوَّة} (٢) وفسرها النبي صلى الله عليه وسلم بالرمي.

(ودُيِّنَ نِيَّةَ الحقيقة) أي صُدِّق دِيَانة إن قال: نويت حقيقة الاستطاعة، وهي القدرة الحقيقية التي يُحدثها الله تعالى للعبد حال قصد اكتسابه الفعل، بعد سلَامةِ الأسباب والآلات، ولا تكونُ إلا مقارِنَةً للفعل. قال الله تعالى: {ولَنْ تَستطِيعُوا أنْ تَعدِلُوا بين النساء} (٣) ، {فما أسْطعاعُوا أن يَظهرُوه وما استطاعوا له نَقْباً} (٤) وإنما صُدِّق دِيَانةً لأنه نوى محتمل كلامه لا قضاءً، لأنه نوى خلاف الظاهر. وفي رواية صُدِّق قضاءً أيضاً لأنه نوى حقيقة كلامه، وهذا بناء على أنه إذا نوى حقيقة كلامه والظاهرُ لا يخالفه، يُصدَّق دِيَانة وقضاءً، وإن كان يُخالفها ففي تصديقه قضاءً روايتان.

(وشُرِطَ للبِرِّ في: لا تَخْرُج) امرأته (إلا بإذنه، لكل خروجٍ إذنٌ) حتى لو خرجت بإذنه مرة، ثم خرجت مرة أخرى بلا إذنه يحنث، لأنه استُثني من المحلوف عليه خروجاً ملصوقاً بالإذن، فكل خروج لا يكون كذلك فهو داخل في اليمين.

والحيلة في ذلك أن يقول لها: كلما أردت الخروج فقد أذنت لك. ولو قال: أردت إلا بإذني مرةً صُدِّق دِيَانةً، لأنه نوى محتمل كلامِهِ، لا قضاءً لأن فيه تخفيفاً عليه (لا في) لا تخرج (إلا أن آذن) أي لا يُشترط لكل خروج إذن في: لا تخرج إلا إن أَذِن، حتى لو خرجت بإذنه مرة، ثم خرجت مرة أخرى بلا إذنه لا يحنث، لأن: «إلا أن» بمعنى حتى فيما يتوقت، قال الله تعالى: {إلا أن يُحاط بكم} (٥) ، أي حتى يُحاط بكم.

ألا ترى أنه لا يَستقيمُ إظهار المصدر هنا، بخلاف إلا بإذني، فإنه يستقيم أن


(١) سورة آل عمران، الآية: (٩٧).
(٢) سورة الأنفال، الآية: (٦٠).
(٣) سورة النساء، الآية: (١٢٩).
(٤) سورة الكهف، الآية: (٩٧).
(٥) سورة يوسف، الآية: (٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>