للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشُّرْبُ من نهرٍ بالكَرْع منه، فلا يحنَثُ لو شرب منه بإناءٍ، بخلاف الحَلِفِ من مائه.

===

وقال أبو يوسف ومحمد: العنب والرُّمان والرطب فاكهة، وبه قال مالك والشافعي وأحمد. والأصل أن الفاكهة اسم لما يُتفكه به قبل الطعام أو بعده، زيادة على الغذاء الأصلي. وهذا المعنى موجود في التفاح وأخواته، فيحنث بها، وغير موجود في القِثاء والخِيَار لأنهما من البقول، وأما العنب والرمان والرطب فهم يقولون: معنى التفكه موجود فيها، فإنها من أعز الفواكه، والتنعم بها فوق التنعم بغيرها. وأبو حنيفة يقول: إن العنب والرطب يؤكلان للغذاء حتى يُكْتفى بهما في بعض المواضع. والرُّمان قد يُستعمل للدواء فنقصت الثلاثة في معنى التفكه وهو التنعم. قال الله تعالى: {انقلبوا فَكِهِيَن} (١) أي متنعمين، فلا يتناولها مطلقُ اسمه.

ألا ترى أن يابس هذه الأشياء ليس من الفواكه، فالزبيب والتمر من الأقوات، وحبُّ الرُّمان من التوابل. والفاكهة لا يَختلفُ رطبها ويابسها في معنى التفكه، ولذا قال شمس الأئمة: البِطيخ ليس بفاكهة، لأن ما لا يكون يابسه فاكهة فرطبه كذلك، كالتين والمِشمِش والخوخ. وأيضاً أنه سبحانه عطفها على الفاكهة في آية وعطف عليها الفاكهة في أخرى، والعطف يقتضي المغايرة. قال الله تعالى: {فيهما فاكهةٌ ونخلٌ ورُمَّان} (٢) ، وقال الله تعالى: {وعِنَباً وقَضباً وزيْتوناً ونَخْلاً وحدائقَ غُلباً وفاكهةً وأبًّا} (٣) وهذا إذا لم يكن له نية، فإن نوى فيمينه على ما نوى بالإجماع. وفي «المحيط»: العبرة للعُرْف فما يؤكل عادة على سبيل التفكه، ويُعد فاكهة في العرف يدخل في اليمين، وما لا فلا.

(والشُرْبُ) بالرفع عطف على الأكل، أي ويقيد الشرب إذا حَلَفَ لا يشرب (من نهرٍ) كدِجلة (بالكَرْع منه) وهو تناول الماء بالفم من موضعه كما تتناول الدابة، (فلا يحنَث لو شرب منه بإناء) وهذا عند أبي حنيفة. وقالا: يحنث به كالكرع. وهذه المسألة مبنيةٌ على أنَّ الأَولى اعتبار الحقيقة المستعملة وهو قول أبي حنيفة رحمه الله، أو عموم المجاز المتعارف، وهو قولهما.

(بخلاف الحَلِفِ) لا يشرب (من مائه) حيث يحنث بالشرب منه بإناء أو بغيره


(١) سورة المطففين، الآية: (٣١).
(٢) سورة الرحمن، الآية: (٦٨).
(٣) سورة عبس، الآيات: (٢٨ - ٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>