وبِلَفْظَيْ مَاضٍ، وَبِتَعَاطٍ مُطْلقًا. وَإذَا أَوْجَبَ وَاحِدٌ، قَبِلَ الآخَرُ كَلَّ المَبِيعِ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ تَرَكَ،
===
على الإيجاب كـ: أعطيتك، و: جعلت لك هذا بكذا، والآخر على القَبول كـ: أخذت، و: رضيت، و: أجزت.
ويُشْتَرطُ سماع المتعاقدين كلامَهما (وبِلَفْظَي ماضٍ)
كـ: بعتُ، و: اشتريتُ. وإنما شُرِطَ الماضي فيهما لأنّ البيع إنشاء تصرفٍ، والإنشاء يُعْرَفُ بالشَّرع، لأنّ الواضع لم يضع له لفظاً خاصّاً؛ والشَّرعُ يَستعمل فيهِ اللّفظَ الذي وُضِعَ للإخبار عن الماضي، لأنه يستدعي سَبْقَ المُخْبَر عنه ليكون الكلام صحيحاً، فكان الماضي أدلَّ من غيره على تحقّق الوجود، فكان أشبهَ (١) بالإنشاء المحصِّل للوجود.
(وَبِتَعَاطٍ) أي: وينعقد أيضاً بمعاطاةٍ وهي ههنا إعطاء البائع المبيعَ للمشتري على وجه البيع والتَّمليك، وإعطاء المشتري الثمنَ للبائع كذلك، بلا إيجابٍ وقَبُولٍ.
(مُطْلقاً)، أي: سواء كان المبيع خسيساً، وهو: ما تكون قيمته دون نصاب السَّرِقة، أو نفيساً وهو: ما تكون قيمته مثل نصابها أو أكثر، وبه قال الخُرَاسَانِيُّونَ. وقال الكَرْخِيّ والعِرَاقِيُّونَ: ينعقد به في الخسيس للعادة دون النفيس لعدمها. وأُجِيبَ: بأنّ جواز أصل البيع إنَّما هو باعتبار الرِّضا من الجانبين، إلاّ أنّ الرِّضا لَمّا كان باطنياً، أُقِيمَ الإيجاب والقَبُول مُقَامه لدلالتهما عليه، والتعاطي أدلّ عليه منهما، لأنهما قد يوجدان بغير رضاهما أو أحدهما.
ومذهب الشَّافعيّ وأحمد: أنّ البيع لا ينعقد بالتَّعاطي، لأنّ الأفعال لا دلالة لها بالوضع على مقاصد النّاس. لكن قد يُقَال: إنّ في القرائن من الفوائد ما تدلّ على المقاصد.
وقال مالك: ينعقد بكل ما يعدّه النّاس بيعاً، لأنّ المقصود المبادلةُ بالرّضا، فمتى حصلت ثبت حكم البيع، ولأنّ الشّارع لم يَثْبُتْ عنه اشتراطُ اللفظ، فوجب الرّجوع إلى العُرْفِ المعروف الذي هو التّعاطي مطلقاً.
واخْتُلِفَ في التّعاطي بأحد الجانبين مع بيان الثمن، والأظهرُ جوازه لتعارف النّاس عليه، وكذا بدون بيان الثمن إذا كان معلوماً. قال الطَّرَابُلْسِيّ: وهو الصحيح. وقد أشار محمد في «الجامع الصغير» إلى أنّ تسليم المبيع يكفي.
(وَإذَا أَوْجَبَ وَاحِدٌ) من المتعاقدين البيع (قَبِلَ الآخَرُ)، واحداً كان الآخر أو متعدّداً، (كَلَّ المَبِيع بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ تَرَكَ)، وليس للعاقد إن كان واحداً، ولا لواحدٍ إن
(١) في المطبوع: أنسب، والمثبت من المخطوط.