للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلّا إذَا بَيَّن ثَمَنَ كُلٍّ. وَمَا لَمْ يَقْبَلْ بَطَلَ الإيجَابُ، إنْ رَجَعَ المُوجِبُ، أوْ قَامَ أحَدُهُمَا، وَإذَا وُجِدَا لَزِمَ.

===

كان العاقد متعدّداً، أن يقبل في بعض المبيع ببعض الثمن لتفرُّق الصَّفْقَةِ عليه، فإنّ رضاء المُوجِبِ ببيع ذلك البعض وحدَه غيرُ معلومٍ، والرضا بِبَيْع المجموع ليس رضا ببيع بعضه وحدَه، إذ قد يَضُمُّ الرَّديء إلى الجيّد ويبيعهما جميعاً معاً، فيفوت غرضُه.

(إلاّ إذَا بَيَّنَ) المُوجِبُ (ثَمَنَ كُلَ) ممّا قَبِلَ الآخر وما ترك، لأنّ ذلك دليلٌ على رضاه بالتفريق، ولأنّ الإيجاب حينئذٍ في معنى إيجابات متعدّدة. أمّا إذا كرَّر في البيان لفظ البيع، بأنْ قال: بعتك هذين بألفٍ: بعت هذا بخمس مئة، وبعت هذا بخمس مئة، فباتفاقٍ. وأمّا إذا لم يكرر بأن قال: بعتك هذين بألفٍ: كلَّ واحدٍ بخمس مئة، فعند أبي يوسف ومحمد جاز، خلافاً لأبي حنيفة. والمختار قولُهما. وكذا جاز إذا رَضِي الآخر في المجلس إن كان المبيع ممّا ينقسم الثّمن عليه بالأجزاء، كعبدٍ واحدٍ، أو مكيلٍ، أو موزون.

(وَمَا لَمْ يَقْبَلْ) الآخر (بَطَلَ الإيجَابُ، إنْ رَجَعَ المُوجِبُ)، مشترياً كان أو بائعاً، (أوْ) إنْ (قَامَ أحَدُهُمَا) أي أحد العاقدين عن المجلس. أمّا إن رجع المُوجِب، فلأنّ الإيجاب لَمَّا لم يُفِد حكم البيع بدون القَبُول، كان للموجب أن يرجع قبله لخُلُوِّ رجوعِهِ عن إبطال حقّ غيره، فإذا رجع بَطَلَ إيجابه. وأمّا إنْ قام أحد العاقدين عن المجلس، فلأنّ القيام دليل الرّجوع، ولهما ذلك قبل القَبول، لأنه لو لم يثبت الخيار، يلزمه حكم العقد من غير رضاه، وهذا يسمى خيارَ القَبول.

(وَإذَا وُجِدَا) أي الإيجاب والقبول في البيع الصحيح (لَزِمَ) ولا خيار لواحدٍ من العاقدين. وبه قال مالك، وهو رواية عن أحمد، ومختارُ النَّخَعِيّ والثَّوْري. قال شارح: وقال الشافعيّ: لا يلزم، بل لأحدهما الخيار ما دام المجلس، وبه قال أحمد.

لنا ما روى مالك من حديث ابن عمر أنّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من ابتاع طعاماً، فلا يبعه حتَّى يستوفِيَه». ووجه الدلالة أنّه صلى الله عليه وسلم عبَّر عن المنع من البيع باستيفاء المبيع، فإذا استوفى جاز البيع، سواء استوفى في المجلس أو بعده. والبيعُ لا يجوز إلاّ بعد ثبوت الملك. وقوله عليه الصلاة السلام لحَبَّان بن مُنْقِذ ـ وكان يُغْبَنُ (١) في البيع ـ: «إذا ابتعت فقل: لا خِلَابة، وليَ الخيارُ ثلاثةَ أيامٍ» (٢) . والخِلابة بكسر الخاء المعجمة:


(١) غبنه في البيع: غلبه ونقصه - أي خَدَعَه -. المعجم الوسيط ص ٦٤٢ و ٦٤٤، مادة (غبن).
(٢) أخرجه الدارقطني في سننه ٣/ ٥٥ - ٥٦. كتاب البيوع، رقم (٢٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>