للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الخداعة. فإنّه يدلّ على لزوم البيع بالإيجاب والقبول؛ ولأنّ في إثبات الخيار لأحد المتبايعين إبطالُ حقّ الآخر، وهو غير جائزٍ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضَرَرَ ولا ضِرَار» (١) ، ولأنّ البيع عقد معاوضة، فيلزم بالإيجاب والقبول كالنِّكاح.

وأمّا ما رواه أصحاب الكتب السِّتَّة ـ واللفظ للشيخين ـ عن نافع، عن عبد الله ابن عمر أنّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «البَيِّعَانِ كلّ واحدٍ منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرّقا، إلاّ بيع الخيار (أو يكون بيعهما بيعَ خيار)» (٢) . وفي لفظ لهما: «إذا تبايع المتبايعان بالبيع، فكلَّ واحدٍ منهما بالخيار من بيعه ما لم يتفرّقا»، أو قال: «يكون بيعهما على الخِيَار، فإذا كان بيعهما على خيار فقد وَجَبَ».

فقال محمد بن الحسن ـ وهو منقول عن إبراهيم النَّخَعِيّ ـ: مُؤَوَّلٌ بأنّ المراد بالخيار فيه خيار القَبول. فإنّ أحدهما إذا أوجب كان لكلَ منهما قبل القبول الخيارُ، ما داما في المجلس ولم يأخذْ أحدُهما في عملٍ آخر. وفي لفظ الحديث إشارةٌ إليه، فإنهما متبايعان حالةَ البيع حقيقةً. وعلى هذا، فالتفرّق بالأقوال لا بالأبدان، كما في قوله تعالى: {وَإنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ} (٣) . فإنّ الزَّوج إذا طلّق امرأته على مالٍ تحصل الفُرْقة بقبولها. وقال أبو يوسف: مُؤَوَّلٌ بأنّ المراد بالتفرُّقِ فيه التفرُّقُ بالأبدان بعد الإيجاب قبل القَبُول. انتهى.

والمراد بقوله: «إلاّ بيع الخيار» (أي: إلاّ المتبايعين بيع الخيار، أو) (٤) إلاّ إذا تبايعا بيع الخيار. والمعنى أن يقول أحدهما لصاحبه: اختر، فيقول: اخترتُ، فيكون هذا إلزاماً للبيع، وَيَسْقُطُ خيارُهما، وإن كان المجلس قائماً.

وحَمَلَ بعضهم الخيارَ على خيار الشّرط، وهو بعيد لرواية الترمذيّ: «البَيِّعانِ بالخيار ما لم يَتَفَرَّقَا أو يختار». وفي لفظ: «أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر»، بدل «أو يختار». وكان ابن عمر إذا اشترى شيئاً وأحبّ أن يكون له، فَارَقَ صاحبه فمشى قليلاً، ثم رجع، فَحُمِلَ على التفرّق بالأبدان. ويدلّ عليه زيادة أبي داود والترمذيّ: «ولا يَحِلّ


(١) أخرجه ابن ماجه في سننه ٢/ ٧٨٤، كتاب الأحكام (١٣)، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره (١٧)، رقم (٢٣٤٠) و (٢٣٤١).
ومعنى قوله: "لا ضرر": أي لا يضُرُّ الرجل أخاه فينقصه شيئًا من حقه. ومعنى قوله: "لا ضِرار": أي لا يُجَازيه على إضراره بإدخال الضَّرَر عليه. النهاية ٣/ ٨١.
(٢) ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط، وهو في البخاري.
(٣) سورة النساء، الآية: (١٣٠).
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>