للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيُعْرَفُ المَبِيعُ بالإشَارَةِ، لا بِذِكْرِ القَدْرِ والْوَصْفِ، إلّا في السَّلَم،

===

له أن يفارق صاحبه خشيةَ أن يستقيله»، أي: خشية أنْ يفسخ العقد.

ولنا إطلاق قوله تعالى: {يَا أيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (١) ، وهذا عقدٌ قبل التخيير، وقوله تعالى: {لا تأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلاَّ أنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (٢) ، وبعد الإيجاب والقَبول تَصدُق تجارةً عن تراضٍ، غيرَ متوقفة على التخيير. فقد أباح الله تعالى أكل المشتري قبل التخيير. وقوله تعالى: {وَأشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (٣) أَمْرٌ بالتَّوثُّق بالشَّهادة لئلا يقع التَّجاحد في البيع، فلو ثبت الخيار وعَدِمَ اللُّزوم قبله، لزم إبطال هذه النصوص.

قال بعض المحققين: ولا مخلص له من هذا إلاّ أن يمنع لزومَ العقد قبل الخيار ويقول: إنما يُعرف لزومه شرعاً، وقد اعتُبِر فيه اختيار التّراضي بعد الإيجاب والقَبُول بالأحاديث التي رويناها. ثم قال: ولا مخلص لنا إلاّ بتسليم إمكان اعتبار الخيار في لزومِ العقد، وادّعاء أنه غير لازمٍ من الحديث المذكور بناءً على أن حقيقة المتبايعين المتشاغلان بأمر البيع، لا مَنْ تَمَّ البيع بينهما وانقضى، لأنه مجاز. والمتشاغلان يعني المتساومَيْنِ، يصدق عليهما عند إيجاب أحدهما قبل قبول الآخر، فيكون ذلك هو المراد، وهذا هو خيار القَبول.

(وَيُعرَفُ المَبِيعُ بالإشَارَةِ) (إليه، أي) (٤) : إذا كان محسوساً، (لا بِذِكْرِ القَدْرِ والْوَصْفِ)، أي: لا حاجة بذكرهما حينئذٍ. والمعنى: يُشْتَرَطُ لصحة البيع معرفةُ المبيع بما ينفي جهالته، قطعاً للمنازعة. فإن كان حاضراً يُكْتَفى بالإشارة، لأن بها كفايةً في التَّعريف، فإذا قال: بعتك هذه الصُّبْرَة (٥) من الحِنْطَة، أو هذه الثياب ـ وهي مجهولة العدد ـ بهذه الدَّراهم، ـ وهي مرئية له ـ فَقَبِل، جاز البيع ولَزِم، لأن البّاقي جهالة القدر، وهي لا تضرّ لعدم منعها من التَّسليم والتَّسلُّم.

(إلاّ في السَّلَمَ) فإن المبيع فيه لا بدّ من معرفة قدره ووصفه، على ما يجيء في بابه (٦) ، إن شاء الله سبحانه.

وحاصله أنّ المبيع إذا كان غائباً، فإن كان مما يُعْرَف بالأُنْمُوذَجِ (٧) : كالكَيْلِي


(١) سورة المائدة، الآية: (١).
(٢) سورة النساء، الآية: (٢٩).
(٣) سورة البقرة، الآية: (٢٨٢).
(٤) ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط.
(٥) الصُّبْرَة: الكومَة. المعجم الوسيط ص (٥٠٦)، مادة (صبر).
(٦) صفحة ٨٢.
(٧) الأنمُوذَجُ: المِثَال الذي يُعمل عليه الشيء كالنموذج. المعجم الوسيط ص ٣١، مادة (الأنموذج).

<<  <  ج: ص:  >  >>