للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَخْلُفُ الوُضوءَ والغُسْلَ عند العَجْزِ عن الماء لِبُعْدِه مِيلًا،

===

تُنفِقون} (١)، وفي الشرع: القصدُ إلى الصَّعيدِ الطيِّب لمسح الوجه واليدين، بنيَّةِ استباحة الصلاةِ ونحوِها، لقوله تعالى: {فتيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فامْسَحُوا} (٢). وقد شُرِعَ في غزوة المُرَيْسِيع، وهو بناحية قُدَيْد بين مكة والمدينة، وهي غزوةُ بَنِي المُصْطَلِق.

(يَخْلُفُ) أي التيمُّمُ (الوُضوءَ) أي يقومُ مقامَ الوضوء، بمعنى أن التُّراب بدَلٌ عن الماء لرفع الحَدَث، فالبدَليَّةُ بين الصعيدِ والماء، فكما أن الماء مطهِّرٌ مطلقاً فكذلك التراب، وهذا عند الشيخين، وأما عند محمد فالفِعلُ بدَلٌ عن الفِعْل، أي التيمُّمُ، بدَلٌ عن التوضؤ، فإنَّ الأمر وقع في القرآن بالتوضؤ ثم بالتيمم عند العجز، فلهذا لا يجوز عنده إمامةُ المتيمم للمتوضاء، كما لا يجوز إمامةُ المُومِاء لمن يُتمُّ الركوعَ والسجود اتفاقاً.

(والغُسْلَ) سَواءٌ كان عن جنابة، أو حيض، أو نفاس، لقوله تعالى: {أوْ لامَسْتُم النساءَ} (١) أي جامعتم، فذَكَرَ نوعي الحَدَث عند وجود الماء، ثم ذكَرَ نوعي الحَدَث عند عَدَمه، وأَمرَ بالتيمم لهما بصفةٍ واحدة. والحائضُ والنُّفَساءُ في معنى الجُنب.

(عند العجز عن الماء) أي الكافي لرفع الحدَث، لأنَّ ما دونه لا يَثْبت به استباحةُ الصلاة، فكان وجودُه كالعَدَم. وإنما شَرَطنا في التيمم العجزَ عن الماء لقوله تعالى: {فلم تَجدُوا ماءً فتيمموا} (٢)

ولقوله صلى الله عليه وسلم «الصَّعِيدُ الطيِّبُ وُضوءُ المُسْلِم ولو إلى عَشْرِ حِجج (٣) ما لم يجد الماء، فإذا وجد الماء فلْيُمِسَّهُ بشرته». رواه أبو داود، وابن حِبَّان، والحاكم عن أبي ذر، وصحَّحه الترمذي وقال: حسنٌ صحيح (٤).

(لِبُعْدِه) أي الماءِ عن المتيمّم (مِيلاً) (٥) أي بُعْدَ مِيلٍ، أو بقَدْرِ ميل، سواءٌ كان مسافراً أو مقيماً، خارجَ المصر أو داخِلَه كما صَرَّح به في «الأسرار»، وهو قول أبي حنيفة، وهو المختار. والمِيلُ ثُلُثُ فَرْسَخ، وذلك أربعةُ آلافِ خَطوة، وكلُّ خَطوة ذِراعٌ


(١) سورة البقرة، آية: (٢٦٧).
(٢) سورة المائدة، آية: (٦).
(٣) أي عشر سنوات. انظر مختار الصحاح ص ٥٢، مادة (حجج).
(٤) في المخطوطة والمطبوعة ١/ ٦٢ (نسخة باكستان)، و ١/ ١٦٤ (نسخة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله): صحيح حسن، إلا أنَّا وجدناه في سنن الترمذي ١/ ٢١٣، كتاب الطهارة (١)، باب ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء (٩٢)، رقم (١٢٤). كما تراه فاقتضى التنبيه.
(٥) الميل: هو ما يساوي اليوم ١٨٤٨ مترًا. بمعجم لغة الفقهاء ص ٤٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>