وأفسد زُفَر العقد بالخيار لغير العاقد، وهو القياس.
(ثَلَاثَةَ أَيّامٍ أوْ أقَلَّ) بالنصب فيهما على الظرفية.
وقال سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وابن شُبْرُمَة: يجوز الخيار للمشتري لا للبائع، لأنّه ثبت على خلاف القياس، فَيُقْتَصَرُ على مورد النّص وهو المشتري، لِمَا أخرجه الحاكم وسكت عنه، عن ابن عمر قال: كان حَبَّان بن مُنْقِذ رجلاً ضعيفاً، وكان قد سُفِعَ في رأسه مأمومةً ـ أي ضُرِبَ ـ فجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار ثلاثة أيّامٍ فيما اشتراه، وكان قد ثقل لسانه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«بع ـ أي اشتر ـ فقل: لا خِلَابة»، وكنت أسمعه يقول: لا خِدابة لا خِدابة. يعني بإبدال اللام دالاً، لِثَقلِ لسانه، وبتكراره لإظهار بيانه. وكان يشتري الشيء ويجيء به إلى أهله فيقولون له: إنّ هذا غالٍ، فيقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خَيَّرني في بيعي. أي: شرائي.
وأجيب بأنّ خيار الشّرط إنّما جاز لحاجة النَّاس إليه لدفع الغبن بالتأمل والتفكر، وذلك يستوي فيه البائع والمشتري، على أنّ لفظ ابن ماجه:«إذا بايعت»، وهو يشتمل البيع والشراء. بل رواه البخاري في «تاريخه الأوسط»: «إذا بعت فقل: لا خِلابة». والأصل كونه على بابه، وإن جاز البيع بمعنى الشِّراء كما تقدّم.
(لا أكْثَرَ) أي لا يصحّ خيار الشّرط أكثرَ من ثلاثة أيّام، وهذا عند أبي حنيفة، وهو قول زُفَر والشّافعي. وقال مالك: مدّةُ الخيار ما يمكن اختيار المبيع في مثله، ويختلف باختلاف الأشياء، فإن كان المبيع مما لا يبقى أكثر من يومٍ كالفاكهة لم يجز فيه أن يشترط أكثر من يوم، وإن كان فيه صفةٌ لا يمكن الوقوف عليها في ثلاثة أيّام، يجوز أن يشترط فيه أكثر من ثلاثة أيّام، لأنه شُرِعَ للحاجة إلى التأمّل، وهي تندفع بذلك.
وقال أبو يوسف ومحمد وأحمد: يصح أكثر من ثلاثة أيّام إذا كان مدّةً معلومةً، كالتّأجيل في الثمن، سواء طالت أو قصرت، ولحديث ابن عمر أنَّه أجاز الخيار إلى شهرين. ولأبي حنيفة: أنّ شرط الخيار يثبت بالحديث على خلاف القياس، فلا يزاد على المدّة المذكورة فيه، وذلك أنّ التقدير الشَّرعي إمّا أنْ يمنع النقصان والزيادة كما في الحدود، أو يمنع أحدَهما كأقلِّ الحيض وأكثره، وهو ههنا لا يمنع النقصان بالإجماع، فيمنع الزّيادة، وإلاّ لم يكن له فائدة. ولأنّه صلى الله عليه وسلم ضرب الثلاثة لمن كان في غاية ضعف المعرفة، ولم يزد عليها.