للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النَّظَرَيْن (١) بعد أن يَحْلُبَهَا إن رَضِيَها أمْسَكَهَا، وإنْ سَخِطَها ردَّها وصاعاً من تمر»، متّفقٌ عليه.

وفي روايةٍ لمسلم وأبي داود: «مَنْ اشترى شاةً مُصَرَّاةً فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردّها ردّ معها صاعاً من طعامٍ ـ أي تمر ـ لا سَمْراء (٢) ». وفي روايةٍ لأبي داود: «مَنْ اشترى غنماً مُصَرَّاةً احتلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سَخِطَهما ففي حلبتها صاعٌ من تمرٍ». فجعلاها عيباً وأثبتا له الخيار إذا تبيّن بعد الحلب خلافُ ما تحلُبه، تمسكاً بهذا الحديث.

واحتجّ لنا بعض مشايخنا بقوله عليه الصلاة السّلام: «البيِّعَان بالخِيار ما لم يتفرّقا (٣) ». وقال بعضهم: التَّصْرِيَةُ ليست بعيبٍ، وليس للمشتري ولاية الرّدّ بسببها من غير شرطٍ لأنّ البيع يقتضي سلامة المبيع، وبقلة اللّبن لا تفوت صفة السَّلامة، واللّبن ثمرةٌ وبعدمها لا تَنْعَدِمُ السّلامة، فبقلتها أولى.

قال: وإنّما ترك أصحابنا العمل بحديث أبي هريرة هنا لمخالفته الكتاب، وهو قوله تعالى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (٤) ، والسُّنَّة المشهورة الموجبة لإيجاب القيمة عند تعذّر المِثْل صورةً، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «من أعتق شِقْصاً (٥) له في عبد، قُوِّم عليه نصيب شريكه إنْ كان مُوسِراً» (٦) الحديث، ولمخالفته الإجماع المنعقد على وجوب المِثْل والقيمة عند فوات العين وتعذّر الرَّدّ. قال: ولا بِدْعَ (٧) في ردّ حديثه عند مخالفة الأصول، فإنّه قريبٌ من المتواتر أنّه لَمَّا روى الوضوء مما مستّهُ النَّار، قال له ابن عبّاس رضي الله عنهما: إنّا نتوضأ بالماء السخين، أنتوضأ منه؟ ولما روى: من أصبح جُنُباً فلا صوم له. قالت عائشة: نحن أعلم بذلك منه. وكذلك ردّ عليه عليّ رضي الله عنه.


(١) بخير النَّظَرين: أي خير الأمرين له، إما إمساك المبيع أو رَدّه، أيُّهما كان خيرًا له واختاره فَعَله، النهاية ٥/ ٧٧.
(٢) السَّمْراء: الحنطة. النهاية ٢/ ٣٩٩.
(٣) تقدم تخريجه ص ٣٠٠.
(٤) سورة البقرة، الآية: (١٩٤).
(٥) الشِّقْصُ: النَّصيب. المعجم الوسيط. ص ٤٨٩، مادة (شقص).
(٦) أخرج البخاري معناه في صحيحه (فتح الباري) ٥/ ١٣٧، كتاب الشركة (٤٧)، باب الشركة في الرقيق (١٤)، رقم (٢٥٠٣).
(٧) في المطبوع: لا ينفع، والمثبت من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>