بعضه، له خيار الرَّدّ في الباقي، لأنّ الشَّركة فيه عيبٌ عُرْفاً وقد كانت وقت البيع قبل ظهور الاستحقاق.
(وَصَحَّ) البيع (إنْ بَرِاءَ) فيه البائع (مِنْ كُلِّ عَيْبٍ) أي إن باع بشرط البراءة من كل عيبٍ، وليس للمشتري أن يردّه بعيبٍ (وَإنْ لَمْ يَعُدَّهَا) أي العيوب، والأصَحُّ في مذهب الشَّافعيّ. ويروى عن مالك: أنّه لا يَبْرَأ في غير الحيوان، ويَبْرَأ في الحيوان ممّا لا يعلمه، دون ما يعلمه لِمَا رُوِيَ: أنّ ابن عمر باع عبداً من زيد بن ثابت بشرط البراءة فوجد به عيباً، فأراد ردّه فلم يقبله ابن عمر، فترافعا إلى عثمان، فقال عثمان لابن عمر: أتحلف أنّك لم تعلم بهذا العيب؟ فقال: لا. فردّه عليه.
والفرق بين ما لا يعلمه وما يعلمه، وبين الحيوان وغيره: أنّ كتمان ما يعلمه تلبيسٌ، بخلاف ما لا يعلمه، وإنّ الحيوان قلّ ما ينفكّ عن عيبٍ خَفِيّ أو ظاهر، فيحتاج البائع فيه إلى شرط البراءة من كل عيبٍ ليثقَ بلزوم العقد، بخلاف غير الحيوان. وقال أحمد في رواية، وهو قول الشّافعيّ: لا يبرأ البائع عن العيب، فإنّ خيار العيب ثابتٌ بالشّرع، فلا ينتفي بالشرط كسائر مقتضيات العقد.
ولنا: أنّ الإبراء إسقاط، ولهذا جاز بلا قبول، كالطّلاق والعتَاق والجهالة في الإسقاط لا تفضي إلى المنازعة، فلا تكون مفسدة. ويدخل في البراءة من كل عيبٍ العيبُ الموجود عند العقد، والحادث بعد العقد قبل القبض في ظاهر الرواية عن أبي يوسف رحمه الله، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله أيضاً. وقال محمد: لا يدخل الحادث، وبه قال أبو يوسف رحمه الله أيضاً، وزُفَر ومالك والشافعيّ، لأنّ البراءة تتناول الثّابت فتنصرف إلى الموجود عند العقد.
هذا، والمُصَرَّاة، وهي النّاقة أو الشّاة يُحْقَنُ اللبن في ضَرْعِهِا أياماً لِيُرَى أنها كثيرة اللّبن، إذا بيعت، لا تردّ عندنا. وردّها مالك والشَّافعيّ مع لبنها إن كان باقياً، أو مع صاعٍ من تمرٍ لفقده، لِمَا روى أبو هُرَيْرَة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تَلَقَّوا الرُّكبان لبيعٍ، ولا يَبِع بعضُكم على بيع بعضٍ، ولا تَنَاجَشوا (١) ، ولا يَبِع حاضرٌ لبادٍ، ولا تُصَرُّوا
(١) النَّجْش: هو أن يمدح السِّلْعة ليُنْفَقها ويُرَوِّجَها أو يزيد في ثمنها وهو لا يريد شراءها، ليقع غيره فيها. النهاية ٥/ ٢١.