للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالبَيْعُ بِشَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ العَقْدُ، وَفِيهِ نَفْعٌ لأحَدِهِمَا، أوْ لِمَبِيعٍ يَسْتَحِقُّ،

===

ولا يفسده.

(وَالبَيْعُ) أي ولا يجوز البيع (بِشَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ العَقْدُ) احترز به عمّا يقتضيه، كشرط الملك للمشتري في المبيع، وشرط تسليم المبيع، وشرط حبس المبيع لاستيفاء الثَّمن، وشرط انتفاع المشتري بالمبيع، لأنّ هذا كله يثبت بمطلق العقد، فلا يزيده الشَّرط إلاّ تأكيداً (وَفِيهِ نَفْعٌ لأحَدِهِمَا) ـ جملة حاليةٌ ـ أمّا البائع: فكما لو باع شيئاً بشرط أن يقرضه المشتري درهما، أو يهدي إليه هديةً، أو باع داراً على أن يسكنها شهراً.

وأمّا المشتري: فكما لو اشترى ثوباً على أن يقطعه البائع ويخيطه قَبَاءً (١) أو قميصاً.

(أوْ) فيه نفعٌ (لِمَبِيعٍ يَسْتَحِقُّ) أي يكون أهلاً للاستحقاق على غيره بأن يكون آدمياً، كبيع عبد بشرط أنْ لا يبيعه المشتري، لأنّ العبد يعجبه أن لا تتناوله الأيدي. واحترز بهذا عمّا لو اشترى دابةً، أو ثوباً. بشرط أنْ لا يبيعه المشتري فإنّ الشرط باطلٌ، والبيع صحيحٌ في ظاهر المذهب. وعن أبي يوسف: أنّ البيع فاسدٌ.

وجه الظاهر: أنّه لا مطالب لهذا الشّرط، فكان لغواً، ولا بدَّ من تقييد الشّرط بكونه لا يلائم العقد احترازاً عمّا يلائمه كالبيع بشرط أن يعطي المشتري بالثمن رهناً أو كفيلاً، فإنّ البيع لا يفسد. ولا بدّ أيضاً من تقييد ما لا يلائم العقد بأنّ الشّرع لم يرد بجوازه، فإنّ ما ورد بجوازه لا يفسد، كالبيع بشرط الخيار أو الأجل، وكذا ما تعارف النّاس عليه كشراء نعلٍ على أن يَحْذُوَه (٢) ، أو يُشَرِّكَه (٣) البائع، فإنّ البيع لا يفسد استحساناً للتعامل، وهو حجةٌ يترك بها القياس. وإنّما لا يجوز البيع بشرط لا يقتضيه العقد لنهيه عليه الصلاة والسّلام عن بيع وشرط (٤) . إلاّ أنّ ما ذكرناه من الشُّروط الجائزة مستثنى من هذا النَّهي، فَبَقِي ما عداه داخلاً تحته، ولأنّ الثّمن مقابَل بجميع المبيع، والشَّرط زيادةٌ لا يقابلها شيء من العوض. فأشبه الرِّبا، ولأنّه ذريعةٌ إلى وقوع النِّزاع، فيعرى معه العقد عن مقصوده.

روى الطَّبَرَانِي في «معجمه الأوْسَطِ» عن عبد الله بن أيوب المقري، عن محمد بن سليمان الذُّهْلي، عن عبد الوارث بن سعيد قال: قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شُبْرُمَة، فسألت أبا حنيفة عن رجلٍ باع بيعاً وشرط


(١) القَبَاءُ: ثوب يُلْبس فوق الثياب أو القميص، المعجم الوسيط. ص ١٦٣، مادة (قبى).
(٢) حذا النَّعْل: قدّرها وقطعها على مِثَالٍ. المعجم الوسيط. ص ١٦٣، مادة (حذا).
(٣) أشرك النَّعْلَ: جعل لها شراكًا، والشِّرَاكُ سيرُ النَّعْلِ على ظهر القدم. المعجم الوسيط ص ٤٨٠. مادة (شرك). والسَّيْرُ من الجلد: ما يُقَدُّ منه مستطيلًا، المعجم الوسيط ص ٤٦٧، مادة (سير).
(٤) مر تخريجه ص ٣٠٨، تعليق رقم (١) وسيذكر المؤلف الرواية كاملة عند الطبراني بعد أسطر.

<<  <  ج: ص:  >  >>