للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

للبائع ما ربح في الثَّمن، ولم يطب للمشتري ما ربح في الأَمة. والفرق أنّ الأَمة ممّا يتعينّ، فيتعلَّق العقد بعينها فيتمكن الخَبَثُ في ربحها فيتصدق به، والدراهم والدنانير لا تتعّينان في العقود، فلا يتعلّق العقد بعينها، فلا يتمكن الخَبَثُ في ربحهما.

هذا، والبيع الباطل لا يُفِيد الملك بالقبض ولو كان بإذنٍ من المالك، ولا ملك التّصرّف، لأنّه (يُبْنَى على الملكِ، والملكُ) (١) يُبْنَى على العقد الصحيح أو القبض في العقد الفاسد. ثُمَّ المقبوض في البيع الباطل أمانةٌ عند أبي حنيفة، لأنّ العقد باطلٌ، والباطل غير مُعتبرٍ والقبض بإذن المالك، فيكون أمانةً. وقالا: إنّه مضمونٌ بالقيمة لو كان قيمياً، وبالمِثْل لو كان مثلياً إذا هلك عند المشتري، كالمقبوض في البيع الفاسد، والمقبوض على سَوْم الشراء. هذا وإذا اشترى مَكِيلاً كالتّمر، أو موزوناً كالسمن كيلاً ووزناً حَرُمَ عليه بَيْعه وأكله، أو شيءٍ منه حتّى يكيله أو يزنه.

وأصله أن الأموال ثلاثة أنواع: مقدّرات، كالمكيلات والموزونات، والعدديات المتقاربة، والمَذْرُوَعات؛ فإن اشترى شيئاً منها مشاراً إليها مجازفةً صحَّ التصرفُ فيه بعد القبض، لأنه معلوم بالإشارة، وإن اشترى شيئاً منها بشرط كيلٍ أو وزنٍ أو ذرعٍ أو عد، فإن لم يقبض بَطَلَ التّصرف فيه، وبعد القبض لم يجز التّصرف في المكيل والموزون، لنهي النبيّ صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه صاعان: صاعُ البائع، وصاعُ المشتري، فيكون لصاحبه الزيادة، وعليه النقصان. رواه البزَّار عن أبي هُرَيْرَةَ.

والنهي عن البيع يقتضي الفساد إذا كان لمعنى في البيع، وقد وُجِدَ إذ البيع يتناول ما يجوز به الكيل والوزن، وهو مجهولٌ، فربَّما يزيد أو ينقص، فما لم يكل لنفسه أو يزن لا يمتاز المبيع عن غيره، فكان المبيع مجهولاً فيفسد البيع. ولأنّ أصل القبض شرط جواز التّصرّف في المبيع، فكان تمام القبض شرطاً أيضاً. والكيلُ والوزن فيما بيع كيلاً ووزناً من تمام القبض، لأنّ القَدْر المقصود عليه فيما بيع كيلاً ووزناً حتّى يلزمه ردّ الزيادة إن زاد، ونقص الثّمن بحِصته إن نقص. والقبض غير معتبرٍ لتوهم الزّيادة والنقصان.

ولا معتبر بكيل البائع قبل البيع وإن كان يحضره المشتري، لأن الشرط صاع البائع والمشتري، ولم يوجد. ولو كاله البائع (بعد البيع) ( ١) بحضرة المشتري، قيل: لا يكفي لظاهر ما روينا. والصحيح أنه يكفي، وعليه الجمهور، إذ الغرض منه إعلام


(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>