والنهي عن بيع أحدهما لمعنى مجاورٍ للبيع غير متصلٍ به، وهو الإضرار بالصغير، فلا يفسُد العقد كالنهيّ عن السَّوْم على سَوْم غيره.
(لَا بَيْعَ مَنْ يَزِيدُ) أي لا يكره، لِمَا روى أصحاب «السنن الأربعة»، عن أنس بن مالك: أنّ رجلاً من الأنصار أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال:«أما في بيتك شيءٌ»؟ قال: بلى، حِلْسٌ ـ أي كساء ـ نَلْبَسُ بعضه ونبسط بعضه، وقَعْبٌ ـ أي قدح ـ نشرب فيه الماء. قال:«ائتني بهما»، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:«مَنْ يشتري هذين؟» فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم. قال:«من يزيد على درهم» مرتين أو ثلاثاً ـ قال رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه فأخذ الدّرهمين فأعطاهما الأنصاريّ. وقال:«اشترِ بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشترِ بالآخر قَدُوماً فائتني به»، فأتاه به فشدّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عُوداً بيده ثمّ قال:«اذهب فاحتطب وبع، ولا أرَينَّك خمسة عشر يوماً». فذهب الرّجل يحتطب ويبيع، فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هذا خيرٌ لك من أن تجيء المسألةُ نُكْتَةً في وجهك يوم القيامة».
قال الزَّيْلَعِيّ في «شرح الكنز»: ومن مشايخ بُخَارَى مَنْ جعل بيع الوفاء، كبيع المُكَره، منهم الإمام ظهير الدّين، والصدر الشهيد حُسَام الدِّين، والصدر السعيد تاج الإسلام. وصورته: أن يقول البائع للمشتري: بعت منك هذه العين بدينٍ لك، على أَني متى قضيت الدّين فهو لي. فجعلوه فاسداً باعتبار شَرْط الفسخ عند القدرة على إيفاء الدين، فيفيد الملك عند اتصال القبض وينقض بيع المشتري كبيع المُكْره، لأنّ الفساد باعتبار عدم الرِّضا فكان حكمه كحكم بيع المكره في جميع ما ذكرنا.
ومنهم مَنْ جعله رهناً، منهم: السيد الإمام أبو شجاع، وعليّ السُّغْدِيّ، والإمام القاضي الحسن المَاتُرِيدِي. قالوا: لَمّا شرط عليه أخذه عند قضاء الدين كان بمعنى الرّهن، لأنه هو الذي يُؤْخَذُ عند قضاء الدّين، والعبرة في العقود للمعاني دون الألفاظ، حتّى جُعِلَت الكَفَالَة بشرط براءة الأصيل حَوَالَة، وبالعكس كفالة، والاستصناع عند ضَرْب الأجل سَلَماً، فإذا كان رهناً لا يملكه ولا ينتفع به. وأيّ شيءٍ أُكِلَ من زوائده يضمن ويستردّه عند قضاء الدين. ولو استأجره البائع، لا تلزمه أجرته، كالرّاهن إذا استأجر المرهون وانتفع به وسقط الدين بهلاكه، فيثبت به جميع أحكام الرّهن. ومن