بالملح إلاّ سواءً بسواءٍ، عيناً بعينٍ، ولكن بيعوا الذَّهبَ بالوَرِقِ، والوَرِقَ بالذَّهب، والبُرَّ بالشعير، والشعيرَ بالبُرِّ، والتّمرَ بالمِلْح، والمِلْحَ بالتّمر، يداً بيدٍ كيف شئتم». وقد اتّفق القائسون أنّ الحكم ليس مقصوراً على الأشياء الستة بل النَّص معلّلٌ بالاتفاق خلافاً لداود الظاهري نافي القياس، وعثمان البَتِّيّ. لكن اختلفوا في العلّة، فقال علماؤنا:
(وَعلَّتُهُ) أي علَّة وجوب المساواة وحرمة الفضل، أو علة كون المال رِبَوِيّاً (القَدْرُ: أي الكَيْلُ أوْ الوَزْنُ مَعَ الجِنْسِ) فَلَا ربا فيما لا يدخل تحت كَيلٍ أو وزنٍ، كالحَفْنَةِ من القمح، والذَّرَّة من الذَّهب، ولا في مكيلٍ أو موزونٍ مع خلاف جنسه، وبه قال أحمد في رواية.
وقال مالك: علَّتُه الاقتيات والإدّخار مع الجنس، لأنّه صلى الله عليه وسلم خَصَّ بالذّكر كل مقتاتٍ ومُدَّخَرٍ. وقال الشّافعيّ في القديم: علته الطُّعم مع الكيل أو الوزن؛ وفي الجديد: علته الطُّعم في الأشياء الأربعة، والثَّمنيّة في الذَّهب والفضة، والجنسية شرطٌ لا تعمل العلّة بدونه، وبه قال مالك وأحمد في رواية، لِمَا روى مسلم من حديث مَعْمَر بن عبد الله أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:«الطَّعَامُ بالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ».
وفي رواية «لا تبيعوا الطَّعامَ بالطَّعام إلاّ مِثْلاً بمثلٍ»، وفي رواية:«إلاّ سواءً بسواءٍ». ونَصبهما على الحال. ووجه الدَّلالة: أن الطَّعام مشتقٌ من الطعم ومتى ترتّب الحكم على اسمٍ مشتقٍ كان مأخذ الاشتقاق علّة له. والطَّعْمُ بالفتح: ما يؤدِّيه الذَّوق من حلاوةٍ ومرارةٍ وما بينهما. وبالضمّ: الطَّعام.
ولنا ما رُوِّينَا عن أبي سعيد الخُدْري وغيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذّهبُ بالذّهب، والفِضَّةُ بالفضة» إلى أن قال: «مِثْلاً بِمِثْلٍ … » الحديثَ. ووجه الدَّلالة أنّه صلى الله عليه وسلم أوجب المماثلة في الجنس الواحد تتميماً للفائدة في حقّ العاقديّن، إذ لو كان أحدُ العِوَضَيْن أقلّ من الآخر لكانت الفائدة تامّة لأحد العاقديْن دون الآخر. والمماثلة باعتبار الصورة القَدْرُ، وباعتبار المعنى الجِنْسُ.
وروى الشيخان عن سعيد بن المُسَيَّب أنّ أبا سعيد الخُدْرِيّ وأبا هُرَيْرَة حدّثاه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سَوَادَ بن غَزِيَّة وأمّره على خَيْبَرَ. فَقَدِمَ عليه بتمرٍ جَنِيبٍ ـ يعني طيبِ ـ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أَكُلُّ تمر خَيْبَرَ هكذا»؟ قال: لا والله يا رسول الله إنّا نشتري الصَّاع بالصَّاعين، والصَّاعين بالثلاثة من الجَمْعِ. فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تفعل، ولكن بع